شهدت محمية الدندر الطبيعية، التي تعد الأكبر في السودان وواحدة من أكبر المحميات في إفريقيا، تغيرات متسارعة تهدد بتقويض التنوع البيئي الغني الذي تحتويه، إذ تتعرض هذه المحمية الممتدة على أكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع إلى ضغوط متزايدة نتيجة الزحف السكاني المستمر حولها، حيث تزايد عدد القرى الواقعة داخل حدودها وعلى أطرافها بشكل كبير منذ إعلانها محمية طبيعية عام 1935، وتنتشر في تلك المناطق ممارسات الزراعة التقليدية والرعي، ما أحدث ضغطًا مباشراً على الحياة البرية المتنوعة التي تعيش داخل المحمية.
ساهم الموقع الجغرافي المميز لمحمية الدندر، التي تقع بولاية سنار على بعد 400 كيلومتر جنوب شرق الخرطوم، في تنوعها البيئي، حيث تتوسط مزيجاً من الأراضي العشبية والغابات الجبلية على الحدود مع إثيوبيا، وتحتضن المحمية أكثر من 40 نوعاً من الحيوانات و260 نوعاً من الطيور، كما تمثل محطة رئيسية للطيور المهاجرة التي تعبر القارة سنوياً، غير أن هذا التنوع الحيوي بات مهدداً بالانحسار نتيجة توغل الأنشطة البشرية داخل المحمية، ما أخل بتوازن البيئة وأضر بالكائنات البرية.
ازدادت حالات الاعتداء على النظام البيئي في الدندر، وفق ما أشار إليه عمر محمد، المسؤول بمحطة أبحاث الحياة البرية، مبيناً أن عمليات الصيد الممنوعة طالت الزرافات وأنواعاً أخرى من الحيوانات المهددة.
وفي الوقت ذاته، يعبر سكان القرى داخل المحمية عن حاجتهم الماسة لمزيد من الأراضي الزراعية لتأمين الغذاء لمجتمعاتهم، ويؤكد بعضهم أنهم يلتزمون بالقيود المفروضة على الحياة داخل المحمية بقدر استطاعتهم، إلا أن صغر مساحة القرى الحالية وصعوبة التوسع ضمن نطاقها تدفعهم للاقتراب من أراضي المحمية.
في قرية ماي كاراتو على ضفة نهر الرهد، يوضح المزارع أبو بكر إبراهيم أن الأراضي المتاحة للسكان لا تتجاوز خمسة كيلومترات مربعة، ويشير إلى أن عدد سكان قريته يقارب ألفي نسمة، وهو ما يجعل التوسع الزراعي داخل المحمية حلاً يراه السكان منطقياً، لكن هذا التوسع ترفضه الجهات المختصة، التي تعتبره تهديداً مباشراً للنظام البيئي.
ويقترح عمر محمد نقل القرى الواقعة داخل المحمية إلى مناطق أخرى خارجها تتوفر فيها الخدمات، إلا أن الأمر يواجه برفض السكان لترك أراضيهم ومنازلهم القديمة.
لا تقتصر التعديات على الأراضي فقط، بل تمتد إلى ممارسات خطرة كإشعال النيران في الأشجار للحصول على العسل البري، وهي طريقة يستخدمها بعض السكان لطرد النحل، لكنها تتسبب بأضرار كبيرة للغابات، ويواجه من يتم ضبطه عقوبات قد تصل إلى غرامات مالية أو السجن.
ويؤكد الحارس محمد ماكي أن هذه الممارسات تتكرر رغم جهود المراقبة، مضيفاً أن المخالفين يفرون غالباً قبل وصول فرق الحماية.
رغم هذه التحديات، لا تزال محمية الدندر تحتفظ بجانب من بريقها الطبيعي، وتبقى وجهة يومية لمراقبة الحيوانات البرية في بيئتها الأصلية، بما في ذلك الأسود والضباع والقطط البرية، ويأمل العاملون في المحمية أن تتوفر حلول متوازنة تراعي حاجة السكان وتضمن استمرار الحياة البرية التي تميز المنطقة.
المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية