الثلاثاء 1447/07/03هـ (23-12-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » المغرب » غير مادي » التراث الصناعي » الدباغة التقليدية.. إرث المدابغ القديمة في فاس ومراكش يحفظ جودة الجلود العربية

الدباغة التقليدية.. إرث المدابغ القديمة في فاس ومراكش يحفظ جودة الجلود العربية

تُعد الصناعات الجلدية من أقدم وأرسخ الحرف التي عرفتها الدول العربية، حيث كانت تتجاوز مجرد الحرفة لتصبح فناً كيميائياً وبيئياً يضمن استغلالاً كاملاً للموارد الحيوانية، فكانت عنصراً اقتصادياً هاماً.

اِزدهرت هذه الصناعة بشكل ملحوظ وبلغت ذروتها في مدن المغرب العربي، خاصة مدينة فاس ومراكش، حيث اشتهرت مدابغها التقليدية التي لا تزال تعمل بنفس الطرق التي كانت تُستخدم قبل قرون طويلة.

تُعتبر هذه المدابغ كالمختبرات القديمة، حيث يتم فيها تحويل جلود الحيوانات الخام، التي تكون قابلة للفساد، إلى مادة جلدية مرنة ومتينة صالحة للاستخدام البشري في صناعات متعددة.

تتضمن عملية الدباغة التقليدية مراحل شاقة وطويلة تتطلب صبراً أيوبياً ومعرفة عميقة بالمواد الطبيعية المستخدمة، فهي عملية عضوية ومعقدة، تبدأ العملية بنقع الجلود في أحواض تحتوي على مواد قلوية وأملاح طبيعية لتنظيفها وإزالة الشعر، ثم تُنقل إلى أحواض الدباغة التي تحتوي على مواد مستخلصة من النباتات، مثل مسحوق قشور الرمان أو لحاء البلوط، تُستخدم هذه المواد الطبيعية كبديل للمواد الكيميائية الحديثة، مما يمنح الجلود جودة استثنائية وقدرة على مقاومة التلف لفترات طويلة، فكانت هذه العملية سر متانتها.

دباغة الجلود في فاس: من حرفة إلى صناعة - ريبورتاج ثقافي

تُعد مدابغ فاس، بشهرتها العالمية، مثالاً حياً لهذا الإرث الصناعي، حيث تتميز بأحواضها الدائرية المليئة بالأصباغ والألوان الطبيعية التي تعطي الجلود ألواناً زاهية ومختلفة.

اِمتدت هذه الصناعة لتشمل دولاً أخرى كـ مصر وبعض مناطق بلاد الشام، حيث كانت تُنتج جلود تستخدم في صناعة أدوات الحرب والفروسية، وكانت كل منطقة تضع بصمتها الخاصة على جودة المنتج النهائي.

يتمتع الحرفيون الذين يعملون في هذه المدابغ بمهارة يدوية متفردة، توارثوها عبر الأجيال، فهم يتقنون تقدير كمية المواد اللازمة للدباغة وعلاج أي عيوب قد تظهر في الجلد.

تُصنع من الجلود المدبوغة مجموعة واسعة ومتنوعة من المنتجات الجلدية التي تدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية والترفيهية، فكانت الصناعات الجلدية شاملة.

تُنتج الأحذية التقليدية التي لا تزال رائجة حتى اليوم مثل “البلغة” المغربية، والحقائب اليدوية، والأحزمة، بالإضافة إلى صناعة المقاعد والأرائك الجلدية الفاخرة التي كانت تزين بيوت الأعيان.

يُضاف إلى ذلك صناعة تجليد الكتب والمصاحف وغلافاتها، التي كانت تُنقش وتُزخرف ببراعة عالية، مما يحولها إلى قطع فنية دينية فاخرة.

تتجسد القيمة الفنية في القطع الجلدية من خلال فن النقش والنحت اليدوي على سطح الجلد، حيث تُستخدم أدوات حادة لإنشاء رسومات وزخارف هندسية ونباتية دقيقة.

تميزت بعض القطع بالتطعيم بالخيوط الحريرية الملونة أو المعدنية، مما أضفى عليها قيمة فنية عالية وألواناً زاهية مستدامة، فكان الجلد بمثابة لوحة فنية.

يُحافظ على هذا التراث اليوم من خلال المهرجانات والمعارض التي تستقطب السياح والمهتمين بشراء هذه المنتجات اليدوية الفاخرة، مما يضمن استمرارية المهنة أمام التحديات الحديثة.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار