تعد مدينة الخندق الواقعة على ضفاف نهر النيل في شمال السودان واحدة من أبرز المدن التاريخية التي تحمل إرثًا حضاريًا متنوعًا، إذ لعبت دورًا مهمًا كمركز تجاري ربط غرب السودان بشرق إفريقيا، وساهم موقعها الاستراتيجي في ازدهارها عبر القرون، حيث تميزت بقلعتها القديمة المعروفة باسم “قلعة قيلة قيلة” التي تعد من أبرز الحصون الأثرية في المنطقة، ويعود تاريخها إلى فترات بعيدة، كما تضم المدينة منازل وقصورًا ذات طابع معماري يعكس مزيج التراث النوبي والإسلامي.
وتحتضن الخندق العديد من المعالم الأثرية المهمة مثل المساجد والقباب والمقابر التي تشير إلى تعاقب حضارات متعددة عليها، وقد كانت مقرًا لملوك مملكة دنقلا الإسلامية القديمة، مما أكسبها مكانة سياسية ودينية بارزة، كما ارتبطت المدينة بالأنشطة التجارية التي نشطت بفضل موقعها المميز على النيل، حيث كانت محطة رئيسية للقوافل التجارية.
إدراج قرية الخندق في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت الاسم الرسمي يعكس أهميتها كموقع تراثي يستحق الحماية والتوثيق، إذ يحتوي الموقع أيضًا على بقايا حصن يعود للفترة المسيحية في العصور الوسطى، ويُعتقد أن الملك سالومو حاكم مملكة المقرّة مدفون فيه، الأمر الذي يعزز من قيمته التاريخية والأثرية.
وعلى جانب آخر، يحمل اسم الخندق في الذاكرة الإسلامية بعدًا مختلفًا مرتبطًا بغزوة الأحزاب التي وقعت في السنة الخامسة للهجرة، عندما قام المسلمون في المدينة المنورة بحفر خندق حولها كخطة دفاعية بارعة ضد تحالف المشركين، وقد كان لهذا الحدث أثر بارز في التاريخ العسكري الإسلامي لما مثله من نموذج للتخطيط والصمود.
ويقع موقع الخندق في المدينة المنورة إلى الشمال من المسجد النبوي على بعد نحو 2500 متر، ويُعد من المعالم التي تذكر المسلمين بمرحلة مهمة في السيرة النبوية، كما توجد بعض المواقع التي حددها الباحثون مؤخرًا كمؤشرات على مكان الحفر التاريخي، ما يجعل الخندق هناك رمزًا للمقاومة والحكمة في مواجهة التحديات.
وهكذا، يجتمع اسم الخندق ليحمل معنيين تاريخيين مختلفين، الأول في السودان كموقع تراثي غني بالآثار والموروثات الحضارية، والثاني في المدينة المنورة كذكرى لحدث مفصلي في التاريخ الإسلامي، وكلاهما يبرزان أهمية الحفاظ على هذه المواقع وتوثيق تاريخها للأجيال القادمة.
المصدر: ويكيبيديا