سجلت منظمة اليونسكو الحناء ضمن قائمتها للتراث الثقافي غير المادي، ويمثل هذا القرار اعترافًا رسميًا بمكانة هذه الممارسة في الثقافات العربية، حيث تحتل الحناء موقعًا محوريًا في الطقوس الاجتماعية والمناسبات الاحتفالية، وتندرج ضمن الموروث الشعبي الذي تم توارثه عبر أجيال متعاقبة لم تكتفِ باستخدامها للزينة، بل منحتها رمزية احتفالية ودينية واجتماعية في آنٍ واحد.
ترتبط الحناء في الوعي الجمعي العربي بمظاهر الفرح، وتُستخدم في المناسبات الكبرى مثل حفلات الزفاف والولادة والأعياد، وتضفي على الأجواء طابعًا خاصًا، فهي تمثل عنصرًا مشتركًا يجمع بين الجمال والانتماء إلى الماضي، وتُرسم على الأيدي والأقدام برسوم دقيقة تجسد مهارة الفنانة، كما توظف كصبغة طبيعية لتلوين الشعر والأقمشة والجلود، ما يجعلها جزءًا من الاقتصاد الحرفي والتقليدي الذي يعتمد على الموارد الطبيعية.
يحمل هذا الموروث أيضًا أبعادًا روحية، إذ استخدمت الحناء في طقوس دينية عند بعض المجتمعات، وامتد أثرها إلى مراحل ما بعد الموت في مصر القديمة، حيث شكلت أحد مكونات عمليات التحنيط، وكانت تُستعمل لحماية الجسد وتكريم الروح، ما يدل على عمق الرمزية المرتبطة بها في الحضارة المصرية، التي اعتبرتها رمزًا للجمال والقداسة.
لم تتوقف الحناء عند حدود التاريخ، بل واصلت حضورها في العصر الحديث، وشهدت عودة قوية بين فئات الشباب والفنانين الذين طوّعوا النقوش التقليدية في أشكال معاصرة تحاكي الذوق الراهن، فتعددت الرسوم التي تُنقش بالحبر النباتي وتنوّعت تصميماتها لتشمل تفاصيل دقيقة لا تقتصر على الأشكال الكلاسيكية بل تتجاوزها إلى عناصر زخرفية مبتكرة.
وتساهم هذه الممارسات اليوم في تعزيز الإحساس بالهوية والانتماء، في ظل سعي المجتمعات العربية إلى استعادة رموزها الثقافية وتوظيفها في المناسبات والفعاليات، سواء على المستوى المحلي أو ضمن المهرجانات الدولية التي تشهد مشاركة من فنانين متخصصين في فنون الحناء، مما يعكس تحولها إلى مساحة للتعبير الثقافي والاعتزاز بالتراث.
يسهم إدراج الحناء في قائمة التراث الإنساني في تثبيت مكانتها عالميًا، ويعزز من جهود نقلها إلى الأجيال القادمة، ويدعم بقاءها كجزء من ذاكرة الشعوب وطقوسها، ويطرح تساؤلات حول كيفية الحفاظ على هذه الممارسة في ظل التحولات الاجتماعية، ومدى قدرتها على التكيف مع نمط الحياة المعاصر دون أن تفقد أصالتها.
المصدر: اليونسكو