مارست النساء الفلسطينيات منذ قرون طويلة سرد الحكايات في المجالس المنزلية، حيث اعتُبرت الحكاية الفلسطينية وسيلة تعبير شفهي تميزت بها النساء المسنات، واعتمدت على رواية قصص خيالية تتناول قضايا المجتمع والأسرة، وتقدم رؤية نقدية للعادات الاجتماعية من منظور نسائي، وقد ظلت هذه الحكايات تُروى في البيوت خلال أمسيات الشتاء، وفي اللقاءات العفوية التي تجمع النساء والأطفال، مما عزز من دورها في ترسيخ الهوية الثقافية داخل البيئة الفلسطينية.
استخدمت الراويات لهجتهن المحلية لتأدية الحكايات، وامتلكن مهارات تعبيرية خاصة تقوم على التحكم في إيقاع الصوت، والتشديد على كلمات مختارة، وإدخال مؤثرات لفظية لجذب الانتباه، مما ساعد في نقل المستمعين إلى أجواء خيالية مرتبطة بالتراث الشعبي.
وقد حافظت معظم نساء الريف والمدينة ممن تجاوزن السبعين على هذه المهارة، مما جعل من كل واحدة منهن مصدرًا شفويًا لذاكرة جماعية لا تزال حية رغم التغيرات.
شكلت الحكاية الفلسطينية أداة لتوثيق القصص المتداولة بين الأجيال، إذ لم تقتصر على الترفيه فقط، بل حملت مضامين اجتماعية وثقافية ونقدية، وقدمت نماذج لأدوار النساء في الحياة اليومية، وجسدت قيمًا متجذرة في المجتمع مثل التعاون، والصبر، والتضحية، كما ساعدت على نقل معارف الحياة والرموز الثقافية بلغة بسيطة لكنها مشحونة بدلالات عميقة.
تأثرت هذه الحكايات سلبًا بالتطورات الإعلامية الحديثة، إذ أدى انتشار الوسائل الرقمية إلى تراجع عدد المستمعين، مما دفع النساء إلى تعديل شكل ومحتوى الحكايات بما يتناسب مع الأجيال الجديدة، ورغم ذلك، لا تزال تلك الروايات تُحكى في بعض القرى والمناسبات التراثية، مما يدل على مقاومة هذا الفن للاندثار رغم التحديات.
اعترفت منظمة اليونسكو بأهمية هذا الموروث، وأدرجت الحكاية الفلسطينية ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي عام 2008، مما ساهم في رفع الوعي بأهمية توثيق هذا النوع من السرد الشعبي، ودعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى إعادة إحياءه بين الأجيال الجديدة، من خلال الورش المجتمعية والمسابقات التراثية.
المصدر: ويكيبيديا
