تشكل الحرف اليدوية المرتبطة بالزراعة جزءاً حيوياً من التراث العربي، حيث كانت تمثل حلقة الوصل بين المنتج الزراعي واحتياجات الحياة اليومية، فكانت تُصنع محلياً لتلبية متطلبات المزرعة والمنزل.
تتجلى قيمة هذه الحرف في كونها تعتمد بالكامل على المواد الخام المتوفرة محلياً، مثل الطين، وجذوع النخيل، والقش، والصوف، مما يبرز ذكاء الإنسان في استغلال بيئته بطريقة مستدامة واقتصادية.
يُعد العاملون في هذه الحرف، كالفخاريين والصانعين اليدويين، جزءاً أصيلاً من المنظومة الزراعية والاجتماعية في الريف، حيث كانت مهاراتهم أساسية لاستمرار الحياة.
تتصدر صناعة الفخار والحجر القائمة كأحد أبرز هذه الحرف المرتبطة بالمنتج الزراعي بشكل مباشر، حيث كانت الأوعية الفخارية ضرورية لعمليات التخزين والحفظ، تُصنع “الجرار” و”الزير” بأحجام مختلفة لحفظ الحبوب، وتخزين التمر، وتبريد المياه، وحفظ الزيوت والسمن، فكان الفخار بمثابة الثلاجة والمخزن في العصر القديم.
تُستخدم “المطاحن الحجرية” أو “الرحى” في طحن الحبوب والقمح والذرة يدوياً، وهي أداة حجرية بسيطة لكنها أساسية في تحويل المحصول إلى دقيق جاهز للاستخدام اليومي، مما يحفظ أصول الطبخ التقليدي.

تُعد الصناعات السعفية وحياكة الحبال عنصراً مادياً لا يقل أهمية، خاصة في المناطق التي تكثر فيها أشجار النخيل والقيصوب (القصب)، مثل الواحات والمناطق الساحلية، يتم استغلال سعف النخيل لصنع “السلال” و”المكانس” و”السفر” (حصائر الطعام)، وكذلك صناعة “الأقفاص” المستخدمة في نقل وتخزين التمور والمنتجات الزراعية الأخرى.
تُصنع الحبال القوية من ليف النخيل أو ألياف النباتات الأخرى، وكانت ضرورية لربط المحاصيل، ورفع المياه من الآبار، وتثبيت الخيام والأغراض، فكانت عنصراً لا غنى عنه في الأدوات الريفية.
تتجسد الصناعات النسيجية الريفية في حياكة الصوف والشعر لإنتاج الأغطية والأكياس الخاصة بتخزين المحاصيل، خاصة الحبوب والبقوليات، حيث كانت هذه المنسوجات تحمي المحصول من الرطوبة والآفات، تُستخدم هذه المنسوجات أيضاً في تغطية أماكن تخزين المؤن في المنازل، وفي صناعة الألبسة الريفية التي كانت تحمي المزارع أثناء عمله في الحقول من أشعة الشمس أو البرد القارس.
يُضاف إلى ذلك صناعة أدوات خشبية يدوية بسيطة، مثل مقابض المحاريث، وأدوات تقليم الأشجار، وعربات النقل الصغيرة التي كانت تجرها الدواب.
لعبت هذه الحرف اليدوية دوراً اقتصادياً واجتماعياً هاماً، حيث كانت مصدر دخل للعديد من الأسر الريفية، وخاصة النساء اللاتي كن يتخصصن في حياكة السلال والأواني السعفية، يُحافظ على هذه المهارات اليوم من خلال الورش التدريبية والمهرجانات التراثية، والتي تهدف إلى نقلها للأجيال الجديدة والحفاظ عليها من الاندثار أمام المنتجات الصناعية الحديثة.
تبقى الحرف الزراعية التقليدية رمزاً للاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي، وتُعد شاهداً على براعة الإنسان في تحويل موارده البسيطة إلى أدوات حياة متكاملة ومستدامة.
المصدر: ويكيبيديا