يشهد مزار سيدي عبد القادر بن محمد، المعروف بسيدي الشيخ، تنظيم الحج السنوي الذي يمثل تقليدًا صوفيًا عريقًا، حيث تتواصل فعالياته على مدار ثلاثة أيام تجمع بين الطقوس الدينية والمناسبات الاحتفالية، في مدينة الأبيض سيدي الشيخ بالجزائر.
ويتوافد المئات من الزوار من مختلف المناطق للمشاركة في هذه المناسبة، التي تمثل ملتقى دينيًا واجتماعيًا يربط الماضي بالحاضر، ويعزز القيم الروحية المتجذرة في الثقافة الشعبية الجزائرية.
تتخلل هذه المناسبة مجموعة من الطقوس التي تحمل أبعادًا دينية ومجتمعية في آن واحد، إذ يتجمع الحضور على تلاوة القرآن الكريم والتسابيح، بينما يحيي المشاركون الأجواء بالابتهالات والأذكار، في مزيج يعكس عمق الروح الصوفية.
ولا تخلو الاحتفالات من مظاهر البهجة الشعبية، حيث تمتزج الأناشيد الدينية بالأغاني التقليدية، وتزينها الرقصات الشعبية التي تعكس تراث المنطقة، إضافة إلى المبارزات ومسابقات الفروسية التي تجذب الأنظار وتضفي طابعًا مميزًا على أجواء الملتقى.
وتُعد هذه الفعاليات أكثر من مجرد مناسبة احتفالية، فهي مدرسة متجددة لنقل القيم الروحية والمعارف الصوفية عبر الأجيال، إذ يتم تعليم المبتدئين على أيدي مشايخ الطريقة الصوفية الذين يتولون تدريس الصلوات والأوراد الخاصة بالطريقة.
كما تنتقل هذه المعارف داخل الأسر، حيث يحرص الكبار على غرسها في نفوس أبنائهم، مما يضمن استمرارية هذا التراث الديني والاجتماعي في حياة المجتمع المحلي.
ويكتسب الحج السنوي إلى مزار سيدي عبد القادر بن محمد بعدًا رمزيًا يتجاوز حدود الممارسة الدينية، فهو يمثل فرصة لتجديد أواصر العلاقات الاجتماعية بين العائلات والقبائل، حيث يجتمع الناس على مائدة واحدة ويتبادلون الخبرات والتجارب، في مشهد يعكس قوة التضامن والتماسك بين أفراد المجتمع، كما تسهم هذه الأجواء في تعزيز الهوية الثقافية المشتركة، التي تظل راسخة رغم تغير الأزمنة وتبدل الظروف.
وقد حظي هذا التقليد باعتراف عالمي، حيث أدرج عام 2013 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في الجزائر، تقديرًا لقيمته الروحية والاجتماعية، واعترافًا بدوره في تعزيز التنوع الثقافي وصون الممارسات التقليدية، ويعكس هذا الإدراج الأهمية البالغة التي يكتسبها الحج السنوي، ليس فقط بالنسبة للمجتمع المحلي، بل كجزء من التراث الإنساني المشترك الذي يستحق الحماية والتثمين.
وبين روحانية الطقوس وبهجة الاحتفالات الشعبية، يظل الحج السنوي إلى مزار سيدي الشيخ تقليدًا صوفيًا فريدًا يجمع بين العبادة والهوية الثقافية، ويمنح المشاركين لحظة تواصل مع الماضي، وفرصة لتجديد الروابط الروحية والاجتماعية التي ميزت المجتمع الجزائري عبر قرون طويلة.