انتشر الحيك في الجزائر منذ قرون كرمز للستر والوقار، فكان جزءًا من المشهد اليومي للمرأة الجزائرية في المدن والقرى، يرافقها في التنقلات والأسفار، ويغطي جسدها بالكامل بما يعكس التزامًا دينيًا واجتماعيًا متوارثًا، إذ عُرف الحيك كقطعة قماش بيضاء تلفها المرأة حول جسدها ورأسها مع غطاء صغير للوجه يسمى “العجار”، لتغطي ملامحها ولا تُظهر سوى عينيها، وكان ارتداؤه شائعًا في كل أنحاء المغرب العربي قبل أن يتراجع مع تغير أنماط الحياة.
ظهر الحيك أولًا في مدن المغرب الكبير كلباس نسوي غير مخيط، واختلفت تسمياته حسب المناطق بين الكساء والإزار والملحفة والسفساري، إلا أن جوهره بقي واحدًا وهو الستر الكامل، وارتبط اسمه بالفعل “حاك” الذي يعني نسج، في إشارة إلى مهارة النسوة اللواتي كنّ يصنعنه يدويًا من القطن أو الكتان أو الحرير، وقد شكل هذا اللباس علامة مميزة في الحياة اليومية، إذ كانت النساء يلبسنه في تنقلاتهن أو أثناء الخروج إلى الأسواق، وكان يُعد مظهرًا من مظاهر الحشمة التي حافظت عليها الأسر المحافظة في المدن الكبرى.

في الجزائر، اكتسب الحيك رمزية خاصة جعلته أكثر من مجرد لباس، فقد ارتبط به وجدان المرأة الجزائرية في مختلف مناطق البلاد، وتعددت أسماؤه حسب الجهة، ففي العاصمة ونواحيها يُعرف بالحيك، وفي الغرب يطلق عليه الكساء أو “الكسا”، بينما في الشرق يسمى “الملحفة”، وقد اشتهرت قسنطينة بلبس الحيك الأسود الذي أصبح علامة مميزة للمدينة، ويُروى أن هذا اللون ارتبط بواقعة اغتيال صالح باي، إذ لبست النساء اللون الأسود حزنًا عليه فتحول إلى عادة راسخة عبر الأجيال.
احتفظ الحيك بمكانته خلال فترة الاستعمار الفرنسي، إذ كان وسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية والتمسك بالعادات، فظلت النساء في الأسواق والشوارع متمسكات بلباسهن رغم محاولات فرض الأزياء الغربية، وبعد الاستقلال استمر الحيك رمزًا للأصالة، غير أن ظهوره بدأ يتراجع تدريجيًا في السبعينيات مع انفتاح المجتمع وتبدل أنماط المعيشة في المدن.
تعددت أنواع الحيك تبعًا للخامات والمستوى الاجتماعي، فكان “حيك مرمة” الأكثر فخامة ويُنسج من الحرير الخالص أو الممزوج بالصوف، وكانت ترتديه نساء الطبقة الثرية في العاصمة، بينما اشتهر “الحيك العشعاشي” في تلمسان بلونه الأبيض الخالص، في حين انفرد الشرق الجزائري بنمط “السفساري” المصنوع من القطن أو الحرير والذي يعود أصله إلى الأندلس، ويُعد من أكثر الأنواع انتشارًا في مدن قسنطينة وتونس والقيروان.
رافق الحيك قطعة أخرى لا تقل أهمية هي “العجار”، وهو غطاء وجه يُثبت بخيط خلف الرأس ويُصنع غالبًا من القماش نفسه، وكانت النساء يطرزن أطرافه بخيوط ذهبية دقيقة ليضفي لمسة من الأناقة رغم طابعه المحافظ، ولم يكن مجرد مكمّل للزي بل رمزًا للهيبة والحياء الذي ميّز النساء الجزائريات لعقود طويلة.
ورغم تراجع ظهوره في المدن الكبرى، لا يزال الحيك حاضرًا في القرى والمناطق الداخلية، حيث ترتديه النساء الكبيرات في السن وفاءً للتقاليد، ويُنظر إليه اليوم كجزء من التراث غير المادي الذي يعكس تاريخ المرأة الجزائرية ونظرتها إلى الجمال والاحترام، ما جعله مادة توثيقية في الفنون والرسومات القديمة التي خلدت ملامح زمنٍ كانت فيه البساطة والحشمة عنوان الأناقة.
المصدر: العين الإخبارية