يقف مسجد الجيوشي في موقع مرتفع على أطراف جبل المقطم، وقد شيّده الوزير بدر الجمالي في عام 1085 ميلادية بأمر من الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، ليكون بمثابة زاوية روحية وحصن بصري يطل على القاهرة، ويرتبط المسجد بتاريخ التحصينات التي عمل الوزير على توسيعها لتأمين المدينة في فترة عصيبة من عمر الدولة الفاطمية.
جاء اختيار الموقع بعناية ليرمز إلى السيطرة والهيبة، إذ يمكن من خلاله مراقبة أغلب مناطق القاهرة، وقد تم بناء المسجد بطريقة هندسية تعكس طراز العمارة الفاطمية مع دمج عناصر دفاعية واضحة، وهو ما جعله مسجداً وزاوية ومعلماً استراتيجياً في آن واحد.
اعتمد البناء على الحجر الجيري المحلي، وتتميز واجهته بالبساطة النسبية مقارنة بمساجد القاهرة الفاطمية، مع إبراز القبة المربعة التي تعلو سقف المسجد، وتُعد القبة من أقدم القباب الفاطمية التي ما تزال قائمة، وهي ترتكز على حنيات ركنية تعكس براعة المعمار في تلك الفترة.
رغم محدودية مساحة المسجد، إلا أن التخطيط الداخلي يُظهر تركيزاً على البعد الروحي، حيث يحتوي على محراب مزخرف ونوافذ تسمح بدخول الضوء الطبيعي، ما يخلق إحساساً بالعزلة والسكينة، ويشير المؤرخون إلى أن المسجد قد استُخدم لاحقاً كزاوية للتأمل والاعتكاف.
خضع المسجد لترميمات محدودة على مدار القرون الماضية، بعضها كان ضرورياً للحفاظ على هيكله، وقد ساعد موقعه المرتفع في حمايته من التأثيرات العمرانية التي طالت مناطق أخرى من القاهرة الإسلامية، كما بقي بعيداً نسبياً عن الامتداد السكاني الكثيف.
تم إدراجه عام 1979 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، بصفته جزءاً من النسيج التاريخي للقاهرة الإسلامية، ما ساعد في إعادة لفت الأنظار إليه بوصفه نموذجاً للفن المعماري في نهايات القرن الحادي عشر الميلادي، ومع ذلك لا يزال الموقع بحاجة إلى تطوير خدمات الزيارة والتوثيق.
يجذب المسجد اهتمام الزائرين الباحثين عن تجربة مختلفة في استكشاف التراث، نظراً لعزلته النسبية وهدوء موقعه، ويشكّل نقطة التقاء بين التاريخ والدين والسياسة في العصر الفاطمي، ويستمر حضوره رمزاً لمكانة الوزير بدر الجمالي الذي ترك أثراً كبيراً في تخطيط وحماية القاهرة.
المصدر: ويكيبيديا