يُعتبر الجامع الجديد أحد أبرز المعالم التاريخية في العاصمة الجزائرية، حيث يعود تاريخ تشييده إلى عام 1660 في فترة الحكم العثماني، ويأتي إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1992 ليعزز مكانته كمعلم بارز يعكس العمق التاريخي والثقافي لمدينة الجزائر.
يقع الجامع الجديد في قلب القصبة بالقرب من باب البحر وساحة الشهداء، وهو موقع يجمع بين البعد التاريخي والديني، إذ شكّل عبر العصور مركزًا حضاريًا وثقافيًا جذب السكان والزوار، كما جعل من المسجد نقطة ارتكاز مهمة داخل النسيج العمراني للقصبة.
ويتميز المسجد بعمارة فريدة تمزج بين الطراز العثماني والأندلسي مع ملامح من التأثير البيزنطي، وهو ما يجعله تحفة معمارية متكاملة، فقد شُيد على أنقاض مدرسة أبي عنان التاريخية، مما أضفى عليه قيمة إضافية، باعتباره امتدادًا للتراث الإسلامي المتجذر في المنطقة.
قاعة الصلاة المركزية تتوجها قبة بيضاوية ضخمة تُعد من أبرز ملامحه المعمارية، بينما تبرز المئذنة بتصميمها المميز لتضفي طابعًا فنيًا يعكس إبداع الحرفيين في تلك الحقبة، كما أن النقوش الداخلية والزخارف تضيف جمالًا يعكس مهارة الصناع الذين شاركوا في إنجازه.
ويُجسد الجامع الجديد في تفاصيله التداخل الثقافي بين الحضارات التي مرت بالجزائر، إذ يعكس الطابع الأندلسي في بعض الزخارف والتصميم الداخلي، إلى جانب البصمة العثمانية الواضحة في التخطيط العام، الأمر الذي يمنح الزائر تجربة بصرية وثقافية غنية.
ويُعد الجامع اليوم أحد أهم الوجهات السياحية والدينية في العاصمة، حيث يقصده الزوار للتعرف على تاريخه العريق، كما تستفيد السلطات من مكانته بتنظيم فعاليات ثقافية وفكرية تهدف إلى تعزيز قيم التراث والحفاظ على الهوية الوطنية.
وقد حظي المسجد ببرامج صيانة متكررة للحفاظ على أصالته، إذ تعمل الجهات المختصة على ترميم أجزائه وصون زخارفه بما يضمن استمراره كمعلم بارز للأجيال القادمة، ويأتي ذلك ضمن جهود شاملة للحفاظ على قصبة الجزائر كموقع تاريخي عالمي.
إن الجامع الجديد لا يمثل مجرد فضاء للصلاة، بل يُعد شاهدًا على مراحل مهمة من تاريخ الجزائر، فهو يربط الماضي بالحاضر ويجسد تلاقي العمارة الإسلامية مع الإبداع المحلي، مما يجعله نقطة جذب أساسية لعشاق الفن والتراث من داخل الجزائر وخارجها.
بهذا يبقى الجامع الجديد رمزًا للعمارة الإسلامية العريقة في الجزائر، ووجهة ثقافية ودينية تؤكد على مكانة القصبة كأحد أهم المراكز التاريخية في شمال إفريقيا.