شكّل الجامع الأموي في الموصل أحد أقدم المساجد الإسلامية في العراق، إذ بُني في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد القائد هرثمة بن عرفجة البارقي عام 22 هـ، وتزامن تأسيسه مع بناء دار الإمارة إلى جانبه، ليكون أول جامع رسمي في الموصل ومركزًا دينيًا وسكانيًا للمدينة الناشئة آنذاك، حيث ذكر البلاذري وابن الفقيه أن عملية التمصير بدأت من هذا الجامع، ما يعكس دوره الأساسي في تخطيط المدينة وتكوينها المبكر.
شهد الجامع توسعة مهمة خلال العهد الأموي على يد الخليفة مروان بن محمد، وازدهر محيطه بالأسواق والمرافق العامة التي خُصصت لتكون أوقافًا له، وعندما تولى الخليفة العباسي المهدي الحكم في القرن الثاني الهجري أمر بتوسعة الجامع مجددًا عبر إزالة الأسواق المحيطة به وضم مساحاتها إلى ساحته الرئيسية.
ورغم مكانته التاريخية، فإن الجامع شهد فترات من الإهمال والتدهور خاصة في القرن الخامس الهجري، حيث اقتصر استخدامه على صلاة الجمعة فقط نتيجة تهالك بنيانه.
في عهد الدولة الأتابكية، وتحديدًا عام 543 هـ، أعاد سيف الدين غازي الأول تجديد الجامع وزخرفته، وبدأ يُعرف منذ ذلك الحين بالجامع العتيق، تمييزًا له عن الجامع النوري الذي أُنشئ لاحقًا، وبرز الجامع مجددًا كمركز للعبادة والعلم، حتى أن الرحالة الهروي أشار إليه ضمن الجوامع التي لا تخلو من الأولياء والزهاد، ما يؤكد مكانته الروحية في الوجدان الإسلامي.
تدهور الجامع مجددًا بعد اجتياح المغول للموصل عام 660 هـ، حيث تهدم معظم بنيانه وتحول إلى أطلال، واستُخدم لاحقًا كمأوى للزهاد والمتصوفة، فيما بُنيت حوله مساكن في العهد العثماني عرف ساكنوها بالكوازين، فأُطلق على المنطقة اسم محلة الكوازين، وسعى بعض المحسنين إلى إحياء الجامع بإقامة مصلى صغير فيه عرف لاحقًا بجامع الكوازين.
خضع الجامع لعدة عمليات ترميم لاحقة، أهمها ما قام به الحاج محمد مصفي الذهب الذي أعاد بناءه وسُمي الجامع منذ ذلك الحين بجامع المصفي، وهو الاسم المتداول حتى الآن، وفي عام 1334 هـ جددت مديرية الأوقاف العامة بناء الجامع، بما في ذلك الأبواب الرخامية والنقوش القديمة التي أعادها الحاج مصفي، ليبقى الجامع اليوم قائمًا رغم صغر مساحته مقارنة بما كان عليه في العصر العباسي، وتُقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة بانتظام.
يبقى الجامع الأموي في الموصل شاهدًا حيًا على تاريخ المدينة وتحولاتها السياسية والعمرانية منذ صدر الإسلام، حيث مثّل بداية تأسيس الموصل الإسلامية، وكان نواة التوسع العمراني ومركزًا للسلطة الروحية والإدارية، ونجا من التدمير الكامل رغم الغزوات والتبدلات التي مرت بها المدينة، وما زال يحمل اسمًا مختلفًا يعكس تنوع أدواره عبر الزمن.
المصدر: ويكيبيديا