شيد جوهر الصقلي الجامع الأزهر في عام 970 ميلادياً عقب دخول الفاطميين إلى القاهرة، بأمر مباشر من الخليفة المعز لدين الله، ليكون أول مسجد يقام في المدينة الجديدة، ويُصبح مع الوقت مركزاً دينياً وعلمياً بارزاً في العالم الإسلامي، ويمثل اليوم أحد أقدم المساجد العاملة منذ نشأتها دون انقطاع.
ارتبط المسجد بتاريخ القاهرة الإسلامية منذ تأسيسها، واحتل مكانة مركزية في الحياة الدينية والتعليمية، فإلى جانب كونه داراً للعبادة، تحوّل إلى مؤسسة تعليمية رئيسية نشأت منها جامعة الأزهر، التي ظلت طوال قرون قبلة للطلاب والعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ما منح المسجد مكانة فريدة بين سائر المساجد الكبرى.
تم إدراج الجامع الأزهر عام 1979 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي التي تشمل معالم القاهرة الإسلامية، ليحظى باعتراف دولي بأهميته التاريخية والمعمارية، ويعكس هذا التصنيف الدور الذي لعبه المسجد في حفظ ونشر الثقافة الإسلامية، وتأكيد قيمته كأحد الشواهد الحية على تطور الفكر الديني والعلمي في المنطقة.
احتفظ المسجد بهيكله الأساسي رغم عمليات الترميم والتوسعة التي خضع لها في عصور مختلفة، حيث دمجت هذه التحديثات بين العمارة الفاطمية والمملوكية والعثمانية، ما جعله نموذجاً معمارياً يعبر عن مراحل متعددة من التاريخ الإسلامي، ويُظهر قدرة البناء الإسلامي على التكيف دون فقدان الهوية الأصلية.
شكل الجامع الأزهر مركزاً للتفاعل الثقافي والسياسي والفكري، إذ شهد خلال تاريخه محطات مؤثرة، وخرجت منه فتاوى ومواقف كبرى، كما شارك علماؤه في القضايا الوطنية، ما جعله جزءاً من ذاكرة الأمة الدينية والاجتماعية، وركيزة من ركائز الهوية الإسلامية في مصر والعالم العربي.
واصل المسجد أداءه لوظيفته الأساسية في التعليم والدعوة والإرشاد، كما ساهم في ترسيخ قيم الوسطية والتسامح، وسعى إلى التواصل مع المؤسسات الإسلامية في مختلف البلدان، مؤكداً على دوره كجسر ثقافي يعبر من خلاله التاريخ والمعرفة، ويتصل الماضي بالحاضر دون انقطاع.
استمر الجامع الأزهر في استقبال الوفود والزوار من داخل مصر وخارجها، بوصفه أحد أبرز معالم القاهرة الإسلامية، وأحد المحاور المعمارية والدينية في قلب المدينة القديمة، كما يمثل امتداداً حياً للتراث الإسلامي المشترك الذي تسعى المؤسسات الثقافية إلى الحفاظ عليه وتوثيقه للأجيال القادمة.
المصدر: ويكيبيديا