تُجسد التغرودة أحد أبرز أشكال التعبير الشعبي التي نشأت في بيئة الصحراء وأصبحت مع الزمن علامة على الهوية الثقافية البدوية في منطقة الخليج.
وتُعد التغرودة فناً شعرياً غنائياً تقليدياً كان يُردد على ظهور الإبل خلال رحلات السفر الطويلة ، وارتبط بهذا المشهد الصحراوي صوت الشاعر وهو يرتجل أبياتاً قصيرة تحمل معاني مباشرة تُلامس الوجدان وتُعبّر عن القيم والعادات القبلية.
يُميز التغرودة أنها قصيرة في نصوصها وبسيطة في مفرداتها وسهلة في ألحانها ، وتُؤدى غالباً دون أدوات موسيقية وإنما بالاعتماد على الإيقاع الصوتي المتناغم الذي يتماشى مع خطى الإبل ، ويعتقد البدو أن هذا الإيقاع يُسهم في تحفيز الإبل على السير لمسافات أطول دون تعب ، وهو ما جعل التغرودة تكتسب وظيفة عملية إلى جانب دورها الثقافي والتوثيقي.
انتقلت التغرودة من وظيفتها الأصلية في تسلية المسافرين وتشجيع الإبل إلى منصة لتوثيق تجارب القبائل وسرد بطولاتها ومآثرها وتناقل الحكم والأمثال الشعبية عبر الأجيال ، ويُنظر إليها كجزء لا يتجزأ من الشعر النبطي البدوي الذي يُعتبر مرآة لقيم الفخر والكرم والصبر.
وقد ارتبطت التغرودة بالمناسبات الاجتماعية والوطنية وسباقات الهجن حيث تُردد أمام الجمهور وتُسجل حضوراً مؤثراً في الفعاليات التراثية.
أدركت منظمة اليونسكو القيمة الثقافية لهذا الفن الشفهي فقررت عام 2012 إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي ، لتُسلط الضوء على أهميته التاريخية ودوره في تعزيز الهوية الخليجية ، ومنذ ذلك الحين تكثفت الجهود في دولة الإمارات لإعادة إحياء هذا اللون الفني والترويج له في الداخل والخارج عبر مؤسسات الثقافة والتراث ووسائل الإعلام.
تنظم الجهات المعنية بالثقافة مهرجانات سنوية وورشاً تعليمية وتدريبات للأطفال والشباب من أجل الحفاظ على استمرارية التغرودة كفن حي يُعبر عن أصالة الصحراء وروح القبيلة ، كما يُعاد تقديم التغرودة في المدارس وفي الاحتفالات الوطنية لتعزيز الارتباط بها بين الجيل الجديد.
وتسعى المبادرات الرسمية إلى توثيق هذا الفن بشكل علمي من خلال تسجيل الأداءات التقليدية وجمع النصوص المتوارثة وتصنيفها ضمن أرشيف التراث الوطني.
تُعد التغرودة اليوم رمزاً من رموز التراث العربي الخليجي الذي قاوم الاندثار بفعل التطورات الاجتماعية والتغيرات الحديثة ، وأصبحت شاهداً على أن الفنون الشفهية لا تزال قادرة على البقاء حين تجد من يحميها ويرعاها وينقلها بروح الأصالة والمعاصرة في آنٍ واحد.
المصدر: صحيفة الخليج