تُعدّ فنون التطريز التقليدي والحياكة اليدوية من أبرز العناصر التراثية اللامادية, التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرأة في المجتمع المغربي، حيث تمثل هذه المهارات اليدوية مرآة عاكسة لتاريخ المنطقة وتنوعها الثقافي، ولا يقتصر هذا الفن على تزيين الملابس فحسب، بل هو لغة صامتة تنقل معارف وتقاليد متوارثة عبر مئات السنين, من الجدات إلى الأحفاد في حلقات مستمرة.
تتجلى قيمة هذا التراث في صناعة القفطان والتكشيطة المغربيين, وهما رمزان للأناقة والهوية الأنثوية المغربية, حيث يعتمد جمالهما بشكل أساسي على دقة وجودة فن التطريز اليدوي، وتختلف الأساليب والزخارف المستخدمة في التطريز باختلاف المدن والمناطق, مما يخلق خريطة فنية غنية الألوان والتصاميم داخل البلاد.
يشتهر التطريز الفاسي بلمساته الحريرية الدقيقة, وألوانه الهادئة وزخارفه النباتية والهندسية المتناسقة, فيما يتميز التطريز الرباطي بكثافة الغرز واستخدامه للخيوط الذهبية والفضية في تزيين الألبسة الرسمية، ولكل مدينة بصمتها الخاصة, تعكس تأثراً بالحضارات التي مرت بها, سواء كانت أندلسية أو متوسطية أو أمازيغية.
![]()
تُعتبر المرأة المغربية هي حاملة وحامية هذا التراث, حيث تبدأ الفتيات بتعلم فنون الخياطة والتطريز في سن مبكرة, داخل محيط الأسرة أو ورش العمل التقليدية، وتشمل هذه المهارات الدقيقة الحياكة على النول اليدوي, وصناعة المنسوجات الصوفية في المناطق الأمازيغية, وتزيينها برموز تعكس الحياة القبلية والمعتقدات القديمة.
يُسهم هذا التراث في تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً, حيث تُشكل الحرف اليدوية المصدر الرئيسي للدخل للكثير من الأسر في المدن القديمة والقرى النائية، وتنتقل هذه المعارف بطريقة شفوية وتطبيقية, دون الحاجة إلى التدوين أو الكتب الرسمية, مما يجعلها مثالاً حياً للتراث اللامادي المتدفق عبر الممارسة العملية المستمرة.
تُستخدم المواد الطبيعية في الغالب في هذا الفن, مثل الحرير والصوف والقطن, ويتم صبغها بألوان مستخلصة من الأعشاب والنباتات المحلية, مما يربط الحرفة بالطبيعة الأم، ولا يُصنع الثوب أو اللباس لمجرد التغطية فقط, بل يُصمم ليروي قصة, ويحدد وضع المرأة الاجتماعي, ويشير إلى المناسبة التي سيُرتدى فيها.
يُعدّ الحفاظ على هذه الفنون تحدياً مستمراً في ظل المنافسة الشديدة للمنتجات الصناعية المستوردة, مما دفع الحكومة المغربية والجمعيات المحلية إلى تنظيم ورش تدريبية ودعم الصناع التقليديين، ونجحت الجهود المغربية في تثمين هذا الموروث، حيث باتت الأزياء التقليدية ذات التطريز اليدوي مطلوبة بشدة في الأسواق المحلية والعالمية على حد سواء.
يظل فن التطريز المغربي شاهداً على إبداع المرأة، وقدرتها على تحويل قطعة قماش بسيطة إلى تحفة فنية مُحملة بالرموز والقصص, ليؤكد أن التراث اللامادي للمغرب هو جزء لا يتجزأ من الإرث الأنثوي الحكيم.
المصدر: ويكيبيديا