انتشر خط التحصينات الروماني على طول تخوم الصحراء الليبية، من مرتفعات الجبل الغربي والحمادة الحمراء إلى وديان بني وليد وسلسلة جبال نفوسة، ويضم أطلال قلاع وحصون ومدن ومحطات استراحة تعكس التخطيط المعماري المتقن، ويعد الخط وثيقة تاريخية تنقل عناصر العمارة البيئية والصحراوية التي اعتمدها الرومان لحماية مستعمراتهم من هجمات القبائل المحلية.
أنشأ الرومان ثلاثة أحزمة دفاعية على حدود مستعمراتهم، شكل الخط الأول أقصى جنوب إقليم تريبوليتانيا ويتألف من ثلاثة حصون ضخمة، بينما تضمن الخط الثاني مزارع محصنة في وديان سوف الجين وزمزم، كان يرابط بها جنود ليبيون من فرقة أوغسطا الثالثة مقابل منحهم أراض وضرائب مخففة، أما الخط الثالث فاشتمل على طرق عسكرية تربط بين المحطات والحصون والمزارع المحصنة لتسهيل التنقل والمراقبة.

ضمّ الخط دفاعات بارزة مثل حصن غولايا في أبونجيم وحصن غدامس المفقود، واستخدمت هذه المنشآت لمراقبة طرق القوافل التي شكلت شريان حياة للامبراطورية الرومانية، كما توضح النقوش والزخارف والكتابات المحفورة على الجدران أسماء ومواقع ومؤشرات تدل على التنظيم العسكري والاقتصادي للمنطقة، وتبرز قدرة الرومان على دمج العمارة الدفاعية مع البيئة الصحراوية المحيطة.
ابتكر المزارعون على طول الخط أنظمة ري مبتكرة باستخدام السدود والقنوات وأنظمة حجز المياه، وحوّلوا الأراضي إلى مناطق خصبة تنتج القمح والشعير والعدس والخضروات، إلى جانب البطيخ والعنب والبلح واللوز، كما عثر في المزارع على خزانات زيت زيتون بسعة تصل إلى 1200 لتر، تؤكد تطور الإنتاج الزراعي والتخزين والتصدير نحو مدن الساحل.
تشكل أطلال خط التحصينات اليوم مزيجاً فريداً من التراث العسكري والزراعي، حيث تجتمع الحصون والمزارع والقنوات المائية لتروي قصة الامبراطورية الرومانية في شمال أفريقيا، كما تعكس مدى براعة الرومان في الجمع بين الهندسة العسكرية والتخطيط الاقتصادي والزراعي، ويظل الخط معلماً استثنائياً للتاريخ العمراني والصحراوي، كما يمثل مصدراً هاماً للدراسات الأثرية والبيئية.
المصدر: وزارة السياحة الليبية