الجمعة 1447/02/14هـ (08-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » المغرب » مرئي » المعالم التاريخية » التبوريدة المغربية إرث فروسية خالد في التراث الإنساني

التبوريدة المغربية إرث فروسية خالد في التراث الإنساني

تُجسّد التبوريدة المغربية واحدة من أبرز ملامح التراث الشعبي العريق الذي تعتز به المملكة المغربية، وتفخر به أمام العالم، فقد تمكّنت هذه الممارسة الفروسية القديمة من الحفاظ على أصالتها عبر قرون، حتى غدت اليوم رمزًا للهوية الوطنية، وعلامة فارقة في الفلكلور الثقافي للمغاربة. وتعكس التبوريدة ليس فقط مهارات الفرسان وجمالية الخيول، بل تحمل بين طقوسها وأهازيجها قصصًا عن الشجاعة والمقاومة والانتماء، ما جعلها تحظى باعتراف دولي تمثّل في إدراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.

انطلقت ممارسة التبوريدة منذ القرن الخامس عشر، كصورة حية تحاكي هجمات الفرسان العرب والأمازيغ في ميادين المعارك، حيث كان الفرسان يصطفون على شكل صفوف منظمة فوق صهوات الخيل، ثم ينطلقون في سباق جماعي يتوّج بإطلاق طلقات بارود من بنادق تقليدية في حركة منسقة تمثل قمة الانسجام بين الفارس وجواده. ولم تكن هذه العروض مجرد استعراضات حربية، بل كانت تحمل في مضمونها رسائل رمزية، تعبر عن الجاهزية للدفاع عن الأرض والكرامة، كما كانت تُؤدى في مناسبات وطنية ودينية واجتماعية، في دلالة على ارتباطها الوثيق بجميع مفاصل الحياة المجتمعية.

ما هي التبوريدة المغربية؟ - ريبورتاج

رافق التبوريدة تطور غني في مكوناتها الفنية والرمزية، إذ باتت اليوم تتضمن أهازيج ومواويل شعبية تنبع من عمق الثقافة المحلية، وتُؤدى خلال العروض بشكل جماعي يضيف على المشهد مسحة روحية تعزز روح الجماعة والاحتفاء بالتراث. وتتم هذه العروض وفق طقوس دقيقة، تبدأ بتحضير الخيول وتزيينها بالأزياء التقليدية، وتُختتم بإطلاق طلقة جماعية واحدة من البارود يتوجب أن تكون متزامنة تمامًا، وإلا فُسّر ذلك على أنه خلل في أداء المجموعة.

تعززت رمزية التبوريدة في حقب الاستعمار، حيث تحوّلت من طقس احتفالي إلى رمز للمقاومة والتعبير عن الرفض الشعبي للاستعمار، لتصبح منذ ذلك الحين ممارسة محمّلة بقيم السيادة والانتماء الوطني، وقد أسهم هذا الإرث الفروسي في تشكيل جزء كبير من الهوية الثقافية للمجتمع المغربي، وهو ما دفع الكثير من الأسر المغربية إلى توارث هذه الممارسة أبًا عن جد، والعمل على تعليمها للأبناء منذ نعومة أظافرهم، لضمان استمراريتها.

أجواء احتفالية تطبع انطلاقة جائزة التبوريدة - جريدة النهار المغربية - Alnahar

تشهد عروض التبوريدة إقبالًا جماهيريًا واسعًا في مختلف أنحاء المملكة، وتشكّل محورًا أساسيًا في المهرجانات الكبرى، مثل مهرجان الفروسية بمدينة الجديدة أو مهرجان موسم مولاي عبد الله أمغار، كما حظيت هذه العروض باهتمام دولي متزايد، إذ شاركت فرق مغربية في تقديم عروض استعراضية في معارض ثقافية ومناسبات دولية متعددة، مما ساهم في تصدير هذا الموروث إلى الساحة الثقافية العالمية.

واعترافًا بهذه القيمة الثقافية، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” التبوريدة المغربية في عام 2021 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، وهو اعتراف دولي يعزز أهمية الحفاظ على هذه الممارسة ونقلها للأجيال القادمة كجزء أصيل من الذاكرة الجماعية للشعب المغربي. فقد أصبحت التبوريدة أكثر من مجرد احتفال محلي، بل رسالة ثقافية تحملها الخيول المغربية في ساحات العروض عبر العالم، بكل ما تحمله من روح وقيم وتاريخ.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار