يستقبل الجزائريون شهر رمضان بعادات غذائية متوارثة، ويحرصون على تحضير أطباق تقليدية تعكس تاريخهم وتنوع ثقافتهم، ويأتي “البوراك الجزائري” في مقدمة هذه الأطباق التي لا تغيب عن أي مائدة إفطار، إذ يعتبره الجزائريون طبقاً أساسياً يرافق “الشوربة” أو “الحريرة”، ويعد رمزاً من رموز المطبخ الوطني الذي جمع بين الأصول العثمانية واللمسة المحلية.
عرف الجزائريون “البوراك” خلال الحقبة العثمانية الممتدة بين عامي 1509 و1830، حين انتقلت إليهم وصفة “börek” التركية التي تعني الفطيرة، ثم طوروه وأعادوا تشكيله بما يتناسب مع ذوقهم ومكوناتهم المحلية، ليصبح جزءاً من هويتهم الغذائية.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن هذه الأكلة كانت منتشرة في الأناضول وبلاد الشام ودول المتوسط، قبل أن تتجذر في الجزائر وتتحول إلى طبق يومي في شهر رمضان.
تُصنع الفطيرة من رقائق عجين رقيقة تعرف باسم “يوفكا”، وتُحشى بمكونات مختلفة حسب المناطق والعادات، ويقول الباحث في التاريخ الجزائري فوزي سعد الله إن “البوراك الجزائري بمختلف أنواعه وأشكاله ظل يحتفظ بمكانته على المائدة منذ قرون، رغم تغير الأزمنة وتبدل أنماط المعيشة”، ويؤكد أن ارتباطه بشهر رمضان جعله جزءاً من طقوس الإفطار التي لا يمكن التخلي عنها.
برز “البوراك العنابي” في مدينة عنابة كأشهر الأنواع وأكثرها انتشاراً، إذ ارتبط بالمدينة التي تضم عائلات من أصول عثمانية منذ القرن السادس عشر، مثل عائلة “بن الخمار”، ويُحضّر هناك بعناية خاصة ويُعتبر جزءاً من تراثها المحلي.
كما انتشرت أنواعه في مختلف الولايات الجزائرية، ولكل منطقة طريقتها الخاصة في إعداد الحشو الذي يتنوع بين اللحم المفروم، ولحم الدجاج، والأسماك، والبطاطس، والأجبان، والخضار.

وفي بعض المناطق الساحلية، يُضاف إلى الحشو مزيج من التوابل الحارة والبصل والزيتون لمنحه نكهة مميزة، بينما يُفضل سكان الداخل طهيه باللحم الأحمر والبهارات القوية، وتختلف طرق الطهي أيضاً بين القلي في الزيت أو الخبز في الفرن، ويُقدّم عادة ساخناً في بداية الإفطار إلى جانب الحساء والتمر.
تاريخياً، كان “البوراك” من أبرز أطباق القصور العثمانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكان يُحشى آنذاك باللحم والدجاج والجبن، وأحياناً بالفواكه المجففة مثل المشمش والتمر أو بالمكسرات والتفاح، حتى بلغ عدد أنواعه في تركيا قرابة مئة نوع، مما يعكس تنوعه وقدرته على التكيف مع الأذواق المختلفة.
يحتفظ “البوراك الجزائري” اليوم بمكانته كـ“سلطان المائدة الرمضانية”، فهو الطبق الذي يجمع العائلة حوله ويعيد روح التراث إلى المائدة، كما يمثل جسراً ثقافياً يربط بين التاريخ العثماني والهوية الجزائرية الحديثة، ويستمر في حجز موقعه بين الأكلات الأكثر شعبية في البلاد جيلاً بعد جيل.
المصدر: عربي بوست