أفردت دراسات متخصصة في التراث النبوي والملبوسات الإسلامية حيزاً واسعاً للحديث عن “الحبرة” من الثياب، باعتبارها بُرداً يمانياً عريقاً كان له مكانة خاصة في تاريخ الأزياء العربية.
وتُصنَّف هذه القطعة ضمن الثياب الفاخرة التي تُنسج من خيوط الكتان أو القطن الطبيعي، لتكون خياراً مثالياً ومريحاً يناسب مناخ شبه الجزيرة العربية المتنوع.
تَتَمَيَّزُ الحبرة بكونها “مُحَبَّرة”، أي أنها مُزينة ومخططة بخطوط وألوان مختلفة ومتناسقة بعناية،, مما منحها جمالية بصرية لافتة وجعلها قطعة مرغوبة في الأسواق التجارية، يَشِيرُ اسمها مباشرةً إلى الزخرفة اللونية والخطوط الدقيقة المنسوجة فيها، والتي كانت تمثل في ذلك العصر فنًا راقيًا في صناعة النسيج اليمني المشهور بجودته وإتقانه العالي.
جاءَتْ الروايات النبوية الشريفة لتؤكد أن الحبرة كانت من أحب الثياب إلى قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم،, وهو ما منحها مكانة دينية فريدة ومتميزة لدى الأجيال المتعاقبة من المسلمين المؤمنين بهديه.
يُفَسِّرُ العلماء هذا الحب النبوي بأنه إشارة واضحة إلى أهمية التزام المسلم بمبدأي التجمل والنظافة في المظهر العام، بعيداً عن الغلو في المظهر أو التكلف المذموم شرعاً.
تُمَثِّلُ الحبرة دليلاً قوياً على أن الإسلام دين يدعو إلى الأناقة المقبولة والاعتدال في الزينة،, ولا يقتصر التجمل فيه على الأعياد والمناسبات الكبرى، بل هو سلوك يومي يعكس الجمال الداخلي على المظهر الخارجي.
أَرْسَى النبي صلى الله عليه وسلم من خلال حبه لارتداء الثياب الحسنة والنظيفة قاعدة شرعية هامة وراسخة، مفادها أن الله جميل يحب الجمال، وأن التجمل بالثياب الحسنة ليس تنافياً مع الزهد المطلوب شرعاً.
عُرِفَتْ اليمن منذ القدم ببراعتها الفائقة في صناعة الأنسجة والمنسوجات،, وكانت ثيابها، وخاصة الحبرة، تُصدر إلى مختلف أنحاء الجزيرة العربية لجودتها العالية ومتانة خيوطها المنسوجة بإتقان.
اِكتَسَبَتْ هذه الثياب المصنوعة من الكتان أو القطن اليماني شهرة واسعة النطاق،, نظراً لمقدرتها على تحمل البيئة الصحراوية القاسية وملاءمتها للاستخدام اليومي المستمر، مما جعلها مرادفاً للجودة المتفوقة والموثوقة.
يَجِدُ المؤمنون في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مصدراً ثرياً لتقليد سننه وهديه في كل شؤون الحياة اليومية، ومن ذلك السؤال عن أحب الثياب إليه للاقتداء به في اللباس والمظهر.
تُعَدُّ الحبرة بالتالي دلالة على جواز لبس الثياب الملونة والمزينة ما دامت ضمن ضوابط الشريعة السمحة، وتأتي ضمن أنواع الثياب التي جاءت النصوص الشرعية بتأييدها أو الحث على لبسها لعموم المسلمين.
ظَلَّتْ قيمة الحبرة الرمزية تتوارث عبر العصور المتلاحقة،, على الرغم من تغير أشكال وتصاميم الملابس الحديثة وتنوعها الكبير، فهي تمثل نموذجاً أصيلاً للزي الذي يجمع بين الوظيفة والدلالة الروحية.
ويُؤَكِّدُ المختصون بالتاريخ الإسلامي على أن دراسة مثل هذه الثياب تقدم نافذة مهمة لفهم الحياة اليومية للمسلمين الأوائل في تلك الحقبة، وكيف كان التراث يمتزج بالتعاليم الدينية في أدق التفاصيل المعيشية آنذاك.
تَشْهَدُ هذه القطعة الأثرية النبيلة، بصفاتها المحددة وخامتها الراقية المستوردة، على تفاعل ثقافي واقتصادي متين كان قائماً بين مراكز الحضارة في الجزيرة العربية واليمن كمركز تجاري وصناعي.
تَبْقَى الحبرة في الذاكرة الإسلامية أكثر من مجرد ثوب مخطط ومزين، بل هي إرث نبوي يحمل رسالة سامية في حب المظهر اللائق،, ويؤصل لمفهوم الجمال ضمن حدود الاتزان الشرعي والديني.