الخميس 1447/03/12هـ (04-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » المعالم التاريخية » احتفالات عيد سبيبا بجانت تعكس تراث الطوارق العريق

احتفالات عيد سبيبا بجانت تعكس تراث الطوارق العريق

يحتفل سكان واحة جانت في جنوب الجزائر بعيد سبيبا، وهو أحد أعرق الأعياد التقليدية التي تنظم سنويًا في مطلع شهر محرم الهجري، حيث تتواصل الاحتفالات على مدى عشرة أيام كاملة تحمل في طياتها معاني السلام والتسامح، وتعكس قيم التواصل بين أفراد المجتمع.

ويعد هذا العيد مناسبة محورية بالنسبة لمجتمعات الطوارق في المنطقة، إذ يمثل جزءًا أصيلًا من هويتهم الثقافية ويجسد تماسكهم الاجتماعي العميق.

وتتميز الاحتفالات بأجواء خاصة تجمع بين الطقوس الدينية والتعبيرات الشعبية، حيث يرتدي المشاركون أزياء تقليدية مزركشة تعكس تراث الطوارق، فيما تصدح الأهازيج والطبول بإيقاعات مميزة تمنح المناسبة طابعها الفريد.

كما يشارك الشباب والكبار في رقصات جماعية تؤدى في ساحات جانت، وسط حضور جماهيري واسع يحرص على متابعة تفاصيل الطقوس التي توارثتها الأجيال عبر الزمن، مما يحول المناسبة إلى لوحة فنية نابضة بالحياة.

جانت تحيى مهرجان “سبيبا” - internews أنتر نيوز

ولا يقتصر عيد سبيبا على الجانب الاحتفالي فحسب، بل يحمل أيضًا أبعادًا اجتماعية وثقافية عميقة، حيث يتم خلاله تجديد العهود بين القبائل وتعزيز أواصر التضامن بين العائلات، كما يعد فرصة للتلاقي وتبادل الخبرات بين سكان الواحة والزوار القادمين من مناطق مختلفة.

وتُظهر هذه الأجواء المكانة المتميزة التي يحظى بها العيد كوسيلة لحفظ التوازن الاجتماعي وإعادة تأكيد قيم التعايش السلمي في مجتمع الطوارق.

وتلعب الحرف اليدوية دورًا محوريًا في هذه المناسبة، إذ يعمل الحرفيون المحليون على تجهيز الملابس التقليدية والأسلحة الرمزية والمجوهرات التي يستخدمها المشاركون في الطقوس، إضافة إلى صناعة الآلات الموسيقية التي تصاحب الاحتفالات.

وبذلك يشكل عيد سبيبا فرصة لإبراز الحرف التقليدية والحفاظ على استمراريتها، كما يعكس الدور المهم للحرفيين في نقل القيم الثقافية عبر ممارساتهم الفنية والإبداعية.

ويتم تناقل المعرفة المرتبطة بالعيد بشكل مباشر من جيل إلى آخر، حيث يتولى الكبار تعليم الصغار تفاصيل الطقوس وقواعد المشاركة في الاحتفالات، وهو ما يضمن استمرار هذا التقليد العريق رغم التحولات الاجتماعية الحديثة.

ويظهر ذلك في اهتمام الشباب بالمشاركة الفعالة، سواء عبر تعلم الرقصات التقليدية أو الالتزام بارتداء الزي الخاص الذي يمثل رمزًا لهويتهم الثقافية.

وقد حظي عيد سبيبا باهتمام عالمي بعد إدراجه عام 2014 ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في الجزائر، تقديرًا لقيمته التاريخية والاجتماعية، واعترافًا بدوره في صون التنوع الثقافي الإنساني، ويؤكد هذا الاعتراف الدولي المكانة المتميزة للعيد باعتباره شاهدًا على استمرارية التقاليد المحلية، ودليلًا على قدرة المجتمعات على الحفاظ على موروثاتها الثقافية في وجه تحديات العصر.

وبين الطقوس الدينية والممارسات الشعبية، يظل عيد سبيبا مناسبة استثنائية تعكس هوية سكان جانت وتاريخهم الممتد، وتشكل فرصة للاحتفاء بروح التضامن والتعايش، التي تظل حجر الأساس في حياة مجتمع الطوارق جنوب الجزائر.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار