السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » مادي » الملابس » أيقونة الأناقة والغموض.. “الجرجار” ثوب شفاف يروي تاريخ النوبة في مصر

أيقونة الأناقة والغموض.. “الجرجار” ثوب شفاف يروي تاريخ النوبة في مصر

يُجسّد الجرجار النوبي أحد أبرز مظاهر الهوية الثقافية في النوبة بمصر، إذ يمثل هذا الثوب الطويل الشفاف أكثر من مجرد لباس نسائي، فهو تعبير عن الانتماء والاعتزاز بالأصول، ورمزٌ متوارث يجمع بين الجمال والوقار، ويُعد جزءًا أساسيًا من ملامح الحياة النوبية التي ما زالت حاضرة رغم تغير الزمن.

يتميز الجرجار بطوله الملفت الذي يلامس الأرض من الخلف، وهو ما منحه اسمه المشتق من فعل “يجر”، إذ ينسدل خلف المرأة في مشية هادئة تضيف إليه وقارًا خاصًا، ويُصنع عادة من قماش التل أو الشيفون الأسود الشفاف أو شبه الشفاف، مما يمنحه خفة وانسيابية في الحركة، كما يحتوي في بعض الأحيان على تطريزات وزخارف بسيطة تزيد من قيمته الجمالية.

يُرتدى الجرجار فوق جلابية ملونة زاهية الألوان لإحداث تباين بصري لافت، فيظهر الأسود الشفاف متداخلًا مع الألوان النوبية المبهجة كالبرتقالي والأحمر والأزرق، ويمنح المرأة مظهرًا أنيقًا يحافظ في الوقت نفسه على الحشمة، وتتنوع أكمام الثوب بين الطويلة الواسعة المنتهية بكشكشة أو استك ضيق يضبط شكل اليدين، فيما يمتد الذيل الطويل إلى الخلف في حركة انسيابية تزيد من جماله أثناء السير.

تحمل تفاصيل الجرجار رمزية عميقة، إذ يُقال إن طوله الإضافي خُصص لمسح آثار الأقدام حفاظًا على خصوصية المرأة ومنع تتبع خطواتها، وهو معنى اجتماعي يعكس مدى احترام المجتمع النوبي للمرأة ومكانتها، كما أن اللون الأسود ارتبط بوقائع تاريخية مؤثرة مثل معركة توشكى، إذ ارتدته النساء حدادًا على الشهداء، أو تخليدًا لذكرى الملك النوبي ترهاقا الذي يُعد من أبرز رموز الملوك النوبيين القدماء.

شهد الجرجار النوبي تطورًا عبر الزمن، فكانت الفتيات الصغيرات يرتدين شكله الأول المعروف باسم “البوال”، ثم تطور لاحقًا إلى “الكومان”، قبل أن يأخذ هيئته الحالية التي تجمع بين البساطة والأناقة، وظل الزي ملازمًا للمرأة في المناسبات السعيدة كالأعراس، وكذلك في المناسبات الحزينة، مما جعل منه زيًا جامعًا لمختلف جوانب الحياة الاجتماعية في النوبة.

في الوقت الحاضر، اتجهت بعض المصممات إلى إعادة تقديم الجرجار بأسلوب عصري دون المساس بروحه التراثية، فأدخلن عليه لمسات من الموضة الحديثة باستخدام أقمشة لامعة أو إضافة إكسسوارات ذهبية تزيد من جاذبيته، وأصبح جزءًا من عروض الأزياء التراثية داخل مصر وخارجها، مما جعله ينتقل من حدود القرية النوبية إلى فضاءات ثقافية أوسع.

يحمل الجرجار النوبي في خيوطه قصة تاريخية متجذرة، تجمع بين الأصالة والأنوثة، وتؤكد أن التراث لا يموت ما دام محفوظًا في ذاكرة الناس وملامحهم، ليبقى رمزًا خالدًا للمرأة النوبية التي استطاعت أن تجعل من زيها التقليدي عنوانًا لهويتها ومصدرًا لفخرها.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار