أعلن موقع أم القرون نفسه محطة أثرية مهمة على درب زبيدة، الطريق الذي كان يسلكه الحجاج من الكوفة إلى مكة المكرمة، ويقع في محافظة النجف بالعراق، ويضم منارة تاريخية وبركتين وآباراً وقصرًا كان يستخدم لاستراحة الحجاج، ويظهر الموقع مهارة العباسيين في التخطيط الهندسي وتأمين احتياجات المسافرين عبر الصحراء.
استخدمت المنارة في أم القرون كدليل للقوافل في الليل والنهار، وكانت توجه الحجاج عبر البادية، وتظهر براعة العمارة العباسية في توجيه الطرق الطويلة، كما شكلت رمزًا للتواصل الحضاري بين المدن الإسلامية، وقد حافظت على مكانتها التاريخية عبر القرون باعتبارها علامة واضحة للمسافرين عبر الدروب الصحراوية.
شكلت البركتان والآبار جزءًا أساسيًا من الموقع، إذ كانت توفر المياه للقوافل والمسافرين، وصُممت لتلبية احتياجات الحجاج في بيئة صحراوية قاسية، وتدل على اهتمام المخططين العباسيين بتوفير عناصر البنية التحتية اللازمة لدعم حركة الحج، وتظهر أهمية التخطيط المسبق لضمان راحة المسافرين وتيسير رحلتهم الطويلة.
يمثل القصر أو الخان جزءًا رئيسيًا من أم القرون، إذ كان مكانًا لاستراحة الحجاج القادمين من الكوفة، ويظهر تصميمه البسيط والعملي حرص العباسيين على راحة المسافرين، كما كان ملتقى للقوافل من مناطق مختلفة، مما ساهم في تبادل الأخبار والثقافات، ويعكس دور المحطة كمركز اجتماعي وثقافي إلى جانب وظيفتها العملية.
يعد درب زبيدة، الذي يضم أم القرون، أحد أهم طرق الحج البرية في التاريخ الإسلامي، وكان شريانًا حيويًا يربط العراق بمكة المكرمة، وساهم الموقع في تسهيل حركة الحجاج عبر المسافات الطويلة، كما يعكس أهمية الطرق القديمة في دعم التواصل بين المدن والمناطق المختلفة ضمن العالم الإسلامي.
ذكر الموقع الرحالة العرب مثل ابن جبير في رحلته الشهيرة، ووثق ياقوت الحموي أم القرون في معجم البلدان مشيرًا إلى أهميته، كما أشار ابن بطوطة إلى الموقع في سجلاته، مؤكداً مكانته كمحطة رئيسية على الطريق، ويظهر هذا التوثيق التاريخي الدور الاستراتيجي للموقع عبر العصور.
يقع أم القرون في ناحية الشبكة بمحافظة النجف، ضمن قلب بادية العراق، ويبعد نحو 60 كيلومترًا عن مدينة الكوفة، ويشكل نقطة استراتيجية على طريق الحج القديم، ويجمع بين الموقع الجغرافي والتخطيط العمراني، مما يبرز أهميته كعنصر أساسي في شبكة درب زبيدة التاريخية، ويؤكد دوره في تسهيل رحلات الحجاج.
رشح موقع أم القرون عام 2022 للقائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، وتسعى الحكومة العراقية إلى إعادة تأهيله وتسجيله رسميًا ضمن قائمة التراث العالمي، وتُبرز جهود التأهيل قيمة الموقع التاريخية والثقافية، كما تساهم في الحفاظ على الإرث الحضاري العراقي، وتعزز مكانة العراق في خريطة التراث العالمي.
يبقى موقع أم القرون شاهدًا على العمارة العباسية ودورها في دعم الحج، ويظهر تفرد التخطيط الحضاري القديم، ويسهم في إبراز التنوع الثقافي والتاريخي للعراق، ويظل رمزًا للتواصل الحضاري عبر العصور، كما يعكس روح التعاون بين الحضارات الإسلامية وأهمية الحفاظ على التراث لضمان انتقال قيمه للأجيال القادمة.
المصدر: ويكيبيديا