شهدت مدينة أم الجمال الأثرية شمال الأردن تحولًا مهمًا بعد إدراجها رسميًا عام 2024 ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي ، ويأتي هذا الاعتراف الدولي تتويجًا لقيمتها التاريخية وتنوعها الحضاري ونموذجها المعماري النادر ، ما يجعلها واحدة من أبرز الوجهات الثقافية التي تعكس تعاقب الحضارات في المنطقة.
تميّزت أم الجمال بموقعها الاستراتيجي على طرق التجارة القديمة بين البتراء وبلاد الشام ، وارتبطت منذ العصر النبطي بدور اقتصادي وسياسي واضح ، كما تطورت خلال الفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية لتصبح مركزًا حضاريًا متعدد الملامح ، حافظ على وجوده رغم تقلبات الزمن.
امتازت المدينة ببناء فريد من الحجر البازلتي الأسود الذي استخدم في تشييد المنازل والكنائس والأسوار والبوابات ، ما يمنح الموقع طابعًا بصريًا فريدًا يعكس انسجام العمارة مع البيئة الطبيعية المحيطة ، كما ساهمت هذه المواد في الحفاظ على بقايا الأبنية رغم مرور قرون طويلة.
طوّر سكان أم الجمال نظامًا مائيًا مبتكرًا اعتمد على شبكة قنوات مسقوفة تنقل المياه من أماكن التجميع إلى الخزانات والبرك ، ما عزز من قدرة المدينة على الاستدامة رغم مناخها الجاف ، ويُعد هذا النظام من أقدم نماذج إدارة الموارد المائية في المنطقة.
اشتملت أم الجمال على معالم معمارية متعددة شملت بوابات حجرية ضخمة ومنازل متعددة الطوابق وكنائس متنوعة الطراز تعود للعصر البيزنطي ، ما يعكس مدى التقدم العمراني والفكري الذي شهدته المدينة عبر تاريخها الطويل ، كما تشير النقوش المكتشفة إلى استخدام لغات عدة مثل النبطية واليونانية والصفوية واللاتينية والعربية ، ما يدل على التنوع الثقافي والتداخل الحضاري في هذه البقعة.
ساهم إدراج المدينة في قائمة التراث العالمي في تحفيز جهود الحفاظ عليها ، حيث أطلقت الجهات المختصة مبادرات لترميم المواقع الأثرية وتنظيم المسارات السياحية وتطوير البنية التحتية دون التأثير على أصالة المكان ، كما يتم التعاون مع المجتمع المحلي في دعم السياحة المستدامة.
أبدع أبناء أم الجمال في إنتاج الحرف اليدوية المستوحاة من تراثهم المعماري مثل المنحوتات الحجرية والتصاميم المستلهمة من النقوش القديمة ، ما وفر مصدر دخل إضافيًا للأهالي ووسيلة فعالة لتعزيز الارتباط بالتراث ، كما شكّلت هذه المنتجات عناصر جذب سياحي تسهم في نقل صورة متكاملة عن هوية المدينة.
المصدر: اليونسكو
