تمثل أغنية صنعاء إحدى أبرز ملامح الهوية الموسيقية اليمنية، إذ تنتمي إلى تقليد فني ضارب بجذوره في التاريخ وتعود أصوله إلى القرن الرابع عشر، وتشكل هذه الأغنية التي تعرف أيضاً باسم الغناء الصنعاني عنصراً أساسياً في الحياة الاجتماعية والثقافية، حيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمناسبات العامة والخاصة كحفلات الزفاف والجلسات والمقيال، وهو ما جعلها تحافظ على استمراريتها جيلاً بعد جيل، رغم ما شهدته البلاد من تحولات سياسية واجتماعية متلاحقة.
يعتمد أداء الأغنية على مغن منفرد يرافقه عزف على آلتين موسيقيتين تقليديتين هما القنبوس، وهو العود اليمني المعروف بجمال نغماته، والصحن النحاسي الذي يمثل أداة إيقاعية بسيطة في شكل صينية معدنية يحملها العازف بين إبهاميه ويضرب عليها بخفة بأصابعه الأخرى، ويمنح هذا المزيج الموسيقي للأداء خصوصية فريدة تجمع بين الأصالة والبساطة، فيما يكمن التقييم الحقيقي للمؤدي في قدرته على إظهار المعاني الشعرية وإيصالها بطريقة مؤثرة تحرك مشاعر الجمهور وتلامس وجدانه.
تتسم النصوص الشعرية المرتبطة بأغنية صنعاء بتنوعها اللغوي، فهي تكتب بالعامية اليمنية كما تستخدم الفصحى العربية، ما يعكس تنوع البيئة الثقافية التي نشأت فيها، وتزخر هذه النصوص بالصور البلاغية والتلاعب اللفظي الذي يعكس مهارة الشعراء وعمق التجربة الوجدانية، وهو ما منح الأغنية قوة في التعبير وثراءً في المضمون، لتصبح بذلك أكثر من مجرد موسيقى، بل مرآة للوجدان الجمعي اليمني ووسيلة للحفاظ على الذاكرة الثقافية.
يمثل الغناء الصنعاني علامة مميزة للعاصمة صنعاء التي ارتبط اسمه بها ارتباطاً مباشراً، غير أن انتشاره لم يقتصر على المدينة وحدها، بل تعداها ليشمل مختلف المدن والبلدات والقرى في أنحاء اليمن، وهو ما يعكس مكانته الواسعة في الحياة اليومية للسكان، إذ يظل حاضراً في جلساتهم ومناسباتهم الاجتماعية على اختلافها، ويجسد حالة من التماهي بين الفنون الشعبية والهوية الوطنية الجامعة.
أعلنت منظمة اليونسكو عام 2008 إدراج أغنية صنعاء ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، وهو اعتراف دولي بأهمية هذا الفن ودوره في إثراء المشهد الثقافي الإنساني، وجاء هذا الإدراج ليؤكد ضرورة حماية هذا الموروث من مخاطر الاندثار التي قد تتهدد الفنون التقليدية في ظل التغيرات المتسارعة، ولتحفيز الجهود الرامية إلى توثيقه وتعزيزه ونقله إلى الأجيال الجديدة عبر المبادرات التعليمية والمشاريع الثقافية المختلفة.
يعكس هذا الاعتراف العالمي أيضاً ما يمثله الغناء الصنعاني من قيمة حضارية للإنسانية، فهو ليس مجرد إرث محلي محصور في جغرافيا اليمن، بل فن قادر على مخاطبة وجدان المستمعين في أي مكان من العالم، لما يحمله من رسائل وجدانية صادقة وصور شعرية خالدة، وهو ما جعله يحظى بمكانة مرموقة ضمن الفنون التراثية العربية والإسلامية التي ساهمت في تشكيل هوية المنطقة عبر العصور.
المصدر: ويكيبيديا