تزدان موائد عيد الأضحى بأطباق تقليدية تحمل ذاكرة الشعوب، وتأتي الفتة في مقدمتها، إذ أصبحت رمزاً للاحتفال ومظهراً من مظاهر الكرم في البيوت المصرية والعربية، وتختلف طريقة إعدادها بين الشعوب لكن جوهرها واحد، يجمع بين الخبز والمرق واللحم في توليفة ترتبط بالبهجة والمشاركة.
يروي مؤرخو الطعام أن الفتة نشأت في مصر القديمة، إذ كان الملوك يقدمونها في الأعياد لأنها تصنع من فتات الخبز الممزوج بالمرق أو اللبن، وكانت ترمز للوفرة والعطاء، ثم انتقلت إلى العصر الفاطمي حيث انتشرت بين الناس، وتحوّلت إلى وجبة جماعية يشارك فيها الجميع بعد ذبح الأضاحي، لتصبح طبقاً رئيساً على موائد عيد الأضحى، يعبر عن روح التكافل التي تميّز المجتمعات العربية.
وتشير رواية أخرى إلى أن أصل الفتة يعود إلى بلاد الشام، حيث كانت تعد بمكونات متنوعة وتقدم في المناسبات، وانتقلت بعد ذلك إلى مصر التي منحتها لمستها الخاصة بإضافة الأرز والصلصة الحمراء، فغدت وجبة تجمع بين المذاق المميز والبساطة في المكونات، وبقيت على مر الزمن أكلة “الغني والفقير” معاً.
تُعرف الفتة في مصر وفلسطين والأردن وسوريا بالاسم نفسه، بينما تختلف تسمياتها في بلدان أخرى، ففي تونس يطلق عليها “اللبلابي”، وفي الخليج “الفتات”، وفي ليبيا “المثرود”، وتتنوع طرق إعدادها من دولة إلى أخرى، فالسوريون يفضلونها بلبن الزبادي والحمص والمكسرات، أما فتة المكدوس فتتميز بالباذنجان واللحم المفروم، في حين يكتفي المصريون بطبقات الأرز والخبز المحمص المغموس في الخل والثوم والصلصة الحمراء.
وتُعد الفتة المصرية من أكثر الأطباق شيوعاً في العيد، إذ يبدأ إعدادها بسلق اللحم الضأني مع البصل والبهارات حتى ينضج تماماً، ثم يُطهى الأرز في السمن ويُغمر بمرق اللحم، وبعدها يُحمص الخبز حتى يصبح مقرمشاً، ويُسقى بخليط من الخل والثوم الذي يُقلى في السمن حتى يكتسب لونه الذهبي، ثم تُضاف طبقة الأرز، وتغطى بصلصة الطماطم الغنية بالبهارات والقرفة، وأخيراً تُرص قطع اللحم المحمرة على الوجه لتكتمل الصورة.
تحمل الفتة في تفاصيلها روح الأعياد التي تجمع العائلة حول الطعام، وتختصر في نكهتها قصة ثقافات امتزجت عبر العصور، فهي طبق يتجاوز المذاق ليحمل معنى المشاركة والتقارب، وتبقى رمزاً من رموز الفرح في كل بيت عربي مهما اختلفت تسمياتها أو طرق تحضيرها.
المصدر: المصري اليوم