تأسست مدينة نابلس الفلسطينية العريقة في العام 72 ميلادي، بأمر من الإمبراطور الروماني فسبازيان، وقد سُميت حينها فلافيا نيابوليس، لتصبح مركزاً حضارياً مهماً في المنطقة، وتتميز بتاريخ طويل يمتد لأكثر من 2000 سنة،وقد تعاقبت على المدينة عدة حضارات، تركت بصماتها المعمارية واضحة في نسيج البلدة القديمة.
تُعد البلدة القديمة في نابلس، الواقعة شمال الضفة الغربية، بمثابة سجل حي للحضارات التي مرت بها، من الرومانية والبيزنطية إلى الإسلامية والعثمانية،ويُهيمن على النمط المعماري السائد حالياً الطراز الإسلامي، وخاصة الطراز المملوكي، الذي ما زالت معالمه ظاهرة في النقوش على بوابات المساجد والبنايات السكنية.
تشابهت الفراغات الحضرية في البلدة القديمة مع الشكل العام للمدينة العربية التقليدية، حيث تتكون من طرقات عامة مثل شارعي النصر وخان التجار القديم، وساحات عامة مثل ساحة المنارة أمام جامع النصر،ويُضاف إليها فراغات شبه خاصة وهادئة، كالأحواش السكنية مثل حوش العطعوط والجيطان التي تتصل بمداخل البيوت.
تنقسم المدينة القديمة إلى ست حارات رئيسية، هي: حارة الحبلة شمالاً، والقيسارية جنوباً، والياسمينة في الجنوب الغربي، والغرب في الشمال الغربي، والقريون في الوسط، وحارة العقبة التي تحتل الوسط الجنوبي بين حارتي القريون والقيسارية،وتخترق البلدة ثلاثة طرق رئيسية تمتد من الشرق إلى الغرب، أبرزها شارع النصر.
![]()
يُعد الجامع الصلاحي الكبير، الذي سمي احتفالاً بفتوحات القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، ومسجد النصر ذو القبة الخضراء الكبيرة، من أبرز المعالم الدينية التي يعود تاريخها إلى فترة الفتوحات الإسلامية،ويُضاف إليهما مسجد الساطون، الذي يُقال إن تاريخ بنائه يعود إلى فترة حكم الخليفة عمر بن الخطاب بين 634 و644 ميلادي.
تضم البلدة القديمة كنوزاً معمارية أخرى، أهمها الحمامات التركية التي كانت تنتشر في أحيائها، وما زال اثنان منها يعملان حتى اليوم وهما حمام الشفاء وحمام الهنا (السمرا)،وتعود تسميتها بالتركية إلى الطراز المعماري لبعضها، بالرغم من أن الكثير منها لم يُبنَ خلال فترة الحكم العثماني.
لعبت قصور البلدة القديمة دوراً حضارياً مهماً في تحديد معالم تاريخها، وتعود معظمها إلى فترة الحكم العثماني الذي دعم هذه الأسر،ومن أهم هذه القصور قصر طوقان وقصر عبد الهادي وقصر آل الأغا (النمر)، التي تبرز فن العمارة المملوكية والعثمانية.
تزخر أزقة وشوارع البلدة القديمة بعدد كبير من الحرف التقليدية القديمة والورش الصغيرة، التي تشمل مصانع الحلاوة والطحينة، ومحلات تنجيد الفرش وتبييض النحاس، ومحلات الحدادة والنجارة وصناعة الأحذية،ويُقدر عدد سكان البلدة القديمة بحوالي عشرين ألف نسمة، يتوزعون على هذه الأحياء الرئيسية والفرعية.
كشفت الحفريات في حارة العقبة عن المسرح الروماني، الذي يعود بناؤه إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، ويُعتبر أكبر مسرح روماني مكتشف في فلسطين بقطر يبلغ 100 متر،كما اكتشفت قناة جر المياه الرومانية مع شارع أعمدة في عام 1986م، وهي قناة محفورة في الصخر بعمق 14 متراً تجلب الماء من عين دفنة في جبل جرزيم إلى “نيابوليس” الرومانية.
تعرضت العديد من مواقعها التاريخية والأثرية للهدم والتخريب، جراء استخدام الجيش الإسرائيلي للقذائف الصاروخية والعبوات الناسفة، في محاولة لطمس معالمها الحضارية وإرثها الثقافي،وشمل ذلك تدمير صبانة كنعان وهدم عدد كبير من البيوت القديمة، مما أدى إلى فقدان العديد من العائلات لمساكنها ومصادر رزقها.
بالرغم من فترات الاضطراب وعدم الاستقرار، خاصة بعد زلزال نابلس عام 1927م الذي هدم حوالي 600 منزل، حافظت البلدة القديمة على مكانتها كمركز تجاري وسكني رئيسي ومزدهر،وتظل شاهدًا حيًا على الإرث الثقافي المتميز لمدينة نابلس، ومثالاً لصمود التراث الفلسطيني.
المصدر: اليونسكو