يُبرز موقع عين سعف الأثري في واحة الخارجة عمق الجذور التاريخية التي تمتد في قلب الصحراء المصرية، إذ يُعد هذا المكان من الشواهد القليلة التي تجمع بين بقايا الاستيطان البشري القديم والمظاهر الدينية الأولى في العصور المسيحية، ويقع بالقرب من جبانة البجوات الشهيرة التي تضم واحدة من أقدم المقابر المسيحية في مصر، ما يمنح المنطقة قيمة استثنائية على المستويين الأثري والتاريخي.
يُظهر الموقع ملامح استيطان واضحة من خلال منطقتين رئيسيتين تضمان بقايا منازل وأساسات حجرية، وتكشف التنقيبات عن نمط حياة قائم على الزراعة والرعي وتخزين المياه، وهو ما يعكس قدرة سكان الواحة القديمة على التكيف مع بيئة قاسية لا تعرف الاستقرار الدائم، ويشير ذلك إلى أن الواحات لم تكن مجرد محطات عبور بل مراكز سكنية نشطة ذات أهمية اقتصادية وروحية.

يضم عين سعف كنيسة صغيرة تُرجعها الدراسات إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين، وهي فترة شهدت انتشار المسيحية في مصر العليا وظهور تجمعات رهبانية في المناطق النائية، وتُعد الكنيسة نموذجًا بسيطًا في تصميمها مبنيًا من الحجر المحلي، وتحتفظ بجدرانها ببقايا نقوش ورموز دينية تدل على نشاط طائفي متكامل، ما يجعلها شاهدًا حقيقيًا على بدايات التنظيم الكنسي في الصحراء الغربية.
تكشف المعاينات الأثرية الحديثة التي أجرتها بعثات مصرية وأجنبية عن وجود قطع فخارية وأدوات معيشية تعود لنفس الحقبة، وتدل هذه المكتشفات على استقرار طويل الأمد ربما امتد لعقود.
كما تُظهر الدراسة المقارنة بين عين سعف وجبانة البجوات المجاورة وجود صلات معمارية وروحية بين المنطقتين، إذ اعتمد السكان في كليهما على نفس أساليب البناء بالحجر والجص، كما اتبعوا أنماطًا متشابهة في الطقوس والرموز الدينية.
ويُدرج موقع عين سعف ضمن مكونات ملف الترشيح المصري لمواقع واحة الخارجة والواحات الجنوبية الصغيرة في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، وهو ما يعكس إدراك الدولة لقيمة هذه المنطقة التي تُعد بوابة للتاريخ القبطي في الصحراء، حيث تسعى الجهات المعنية حاليًا إلى تنفيذ خطة لحماية الموقع من العوامل الطبيعية وتطوير البنية التحتية المحيطة به لاستقبال الزوار والباحثين.
المصدر: اليونسكو