يعتبر مسجد محمد علي من أبرز المعالم الدينية والتاريخية في مصر، حيث يقع داخل قلعة صلاح الدين بالقاهرة ويعرف أيضا باسم جامع الألبستر أو جامع المرمر، وقد أمر ببنائه محمد علي باشا مؤسس الأسرة العلوية بين عامي 1830 و1848 ليكون رمزا لسلطته ومركزا دينيا يعكس مكانة الدولة في تلك الحقبة، فالمسجد بواجهاته البيضاء وقبابه الواسعة ومآذنه الرشيقة أصبح عنصرا رئيسيا في صورة القاهرة القديمة.
تميز المسجد بتصميمه المستوحى من العمارة العثمانية التي سادت في إسطنبول خلال القرن السادس عشر، حيث استلهم محمد علي باشا عناصره من مسجد السلطان أحمد، ويظهر ذلك في التخطيط القائم على القبة المركزية الكبيرة المدعومة بأربع أنصاف قباب تحيط بها قباب صغيرة، إضافة إلى المآذن الطويلة التي تعلو أركان المسجد بارتفاعاتها اللافتة، كما زينت جدرانه الداخلية بكسوة من الرخام والمرمر ما منحه مظهرا فريدا جعله يعرف بجامع المرمر.
احتل المسجد مكانة محورية ليس فقط كمكان للعبادة بل كرمز سياسي وتاريخي، إذ ارتبط ببداية عهد محمد علي الذي أسس أسرة حكمت مصر لأكثر من قرن ونصف، كما شهدت ساحاته وأروقته العديد من المناسبات الرسمية والدينية، وظل نقطة جذب للمصريين والزوار الأجانب الذين يأتون لاكتشاف جماليات العمارة الإسلامية في قلب القاهرة.
أدرج المسجد عام 1979 ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو باعتباره جزءا من القاهرة الإسلامية التي تضم عددا كبيرا من المساجد والمدارس والمآثر التاريخية، ويعكس هذا الإدراج اعترافا دوليا بأهمية المسجد كعنصر أساسي في المشهد العمراني والتاريخي للمدينة، كما ساعد ذلك على تعزيز الجهود المبذولة لحمايته وصيانته والحفاظ على طابعه المعماري الفريد.
يعد الموقع نقطة جذب سياحية رئيسية، حيث يتوافد آلاف الزوار سنويا لاكتشاف تفاصيله الدقيقة والاستمتاع بمشهد بانورامي للقاهرة من موقعه المرتفع داخل القلعة، وهو ما يجعله من أكثر المواقع زيارة ضمن برنامج السياحة الثقافية، كما يمثل المسجد فرصة للتعرف على تأثيرات العمارة العثمانية على الطراز المصري في تلك الفترة.
أضحى مسجد محمد علي رمزا معماريا ودينيا لا يمكن فصله عن هوية القاهرة الإسلامية، فهو ليس مجرد مبنى أثري بل شاهد على حقبة سياسية وثقافية مهمة، كما يمثل همزة وصل بين التراث العثماني والروح المصرية، ويكشف عن قدرة العمارة على توثيق التاريخ وتجسيد الطموحات السياسية والدينية في آن واحد، ما يجعله أحد أعمدة التراث الإنساني التي تتوارثها الأجيال.
المصدر: الجمهورية