يُمثل مسجد سعد بن أبي وقاص في مدينة الكويت مثالًا رفيعًا على التلاقي بين الإرث الإسلامي واللمسة المعمارية الحديثة التي تليق بأحد أبرز دور العبادة في العاصمة، حيث يقع المسجد في منطقة كيفان مقابل مبنى جامعة الكويت، ويتوسط أحد أهم أحياء المدينة، ما منحه موقعًا استراتيجيًا بارزًا جعله قريبًا من قلوب المصلين والمهتمين بالمعمار الإسلامي على السواء.
وقد بدأت الحكاية عندما كان المسجد قائمًا منذ سنوات طويلة كمبنى قديم يتبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لكنه كان يعاني من مظاهر التقادم الواضحة.
وفي لفتة إنسانية خالدة، قام رجل الخير الكويتي ناصر السعيد بوصية خصص فيها ثلث ماله لأعمال البر، فاستأذنت أسرته الجهات الرسمية لهدم المسجد القديم وإعادة بنائه بصورة تليق بمكانته وموقعه، وبالفعل تحققت الوصية، وجرت عمليات البناء والتطوير على مدى عدة سنوات، إلى أن تم افتتاح المسجد رسميًا في شهر رمضان من عام 2018، ليبدأ فصل جديد من العطاء الروحي والمعماري لهذا الصرح.
ويتسم المسجد الجديد بتصميم معماري لافت يعبّر عن الذوق الفني والاعتزاز بالهوية الإسلامية، فقد شُيّد المبنى الضخم ليضم مصليين رئيسيين: الأول صغير مخصص للصلوات اليومية، والثاني أكبر حجمًا يُفتح في صلوات الجمعة والمناسبات الدينية الكبرى.
ومن أبرز عناصر التميز في المسجد وجود قبتين غير تقليديتين: إحداهما مربعة فوق المصلى الرئيسي، والثانية مستطيلة تعلو المصلى الفرعي، وقد أضفتا على البناء بُعدًا بصريًا ومعماريًا جديدًا.
كما تتزين واجهات المسجد ومآذنه بتصاميم غاية في الروعة، وتُشبه المآذن القلم التقليدي المستخدم بالحبر قديماً، في صورة فنية مدهشة تجمع بين البساطة والرمزية العميقة.
ولم يكتف القائمون على البناء بالشكل الخارجي، بل أبدع الفنان الكويتي المعروف فريد العلي رئيس مركز الكويت للفنون الإسلامية في تزيين المسجد من الداخل بالخط الكوفي المربع، حيث كتب أسماء الله الحسنى وآية الكرسي وآيات قرآنية متعددة على المحراب والمنبر والجدران الداخلية والخارجية، كما أبدع في تصميم مشربيات النوافذ التي تضيف للمسجد طابعًا تراثيًا جماليًا فريدًا، ومن اللافت أنه قام بكتابة البسملة على الباب الرئيسي كمدخل روحي وجمالي للداخلين إلى بيت الله.
وإلى جانب الجوانب المعمارية والجمالية، يُعد مسجد سعد بن أبي وقاص مركزًا دينيًا واجتماعيًا مهمًا، حيث يقوم بدور محوري في تعزيز القيم الإسلامية، وبث الوعي الديني المعتدل، وتجسير العلاقات بين أفراد المجتمع الكويتي، ما يجعله أكثر من مجرد مكان للعبادة، بل مؤسسة روحية وثقافية تحمل رسالة حضارية في بلد اشتهر بعطائه الإسلامي والإنساني على المستوى العربي والدولي.
المصدر: ويكيبيديا
