الأثنين 1447/03/23هـ (15-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » لبنان » مرئي » الآثار » مدينة عنجر الأموية في البقاع شاهد عمراني فريد من نوعه

مدينة عنجر الأموية في البقاع شاهد عمراني فريد من نوعه

تُجسد مدينة عنجر الأثرية نموذجًا فريدًا لتخطيط المدن الإسلامية في بدايات العصر الأموي، وهي واحدة من خمسة مواقع ثقافية لبنانية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1984، نظرًا لما تمثّله من قيمة عمرانية وتاريخية تعكس بوضوح أسلوب بناء المدن ذات الوظيفة التجارية والعسكرية في القرون الأولى للإسلام.

وتقع المدينة في سهل البقاع ضمن قضاء زحلة، وقد احتلت موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية على تقاطع طريقين تجاريين يربطان الشام بمناطق الأناضول وشمال الجزيرة العربية، ما منحها دورًا اقتصاديًا بارزًا في فترة التأسيس الأموي.

واكتُشفت عنجر التي تُعرف أيضًا باسم حوش موسى في أواخر أربعينيات القرن العشرين، حيث بدأت عمليات تنقيب أثرية مكثفة كشفت عن تفاصيل دقيقة لمدينة محصنة بنيت وفق تخطيط هندسي صارم يعكس الخصائص العسكرية والعمرانية للمدن الأموية.

ويُظهر الموقع شبكة شوارع مستقيمة تتقاطع بزاوية قائمة، وتحيط به أسوار متينة تدعّمها 42 برجًا دفاعيًا، ما يبرز البعد الدفاعي الذي تبنته السلطة الأموية عند تأسيس المدينة.

ويُرجّح أن عنجر قد بُنيت خلال عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك في أوائل القرن الثامن الميلادي، وهي تعكس الطابع القصوري للمدن الإسلامية الأولى، إذ تضم قصرين كبيرين ومسجدًا مركزيًا وحمّامات عامة وسوقًا رئيسيًا تحيط به محلات تجارية، ما يشير إلى مكانة المدينة كمركز اقتصادي نشط في تلك المرحلة.

كما تكشف الزخارف الحجرية والعناصر المعمارية التي عُثر عليها عن تأثيرات معمارية رومانية وبيزنطية متداخلة مع الطابع الأموي، ما يعكس تفاعلًا حضاريًا واسعًا داخل بنية المدينة.

ويتميّز المسجد الواقع في وسط المدينة ببنائه المربع ومنبره الحجري، ويجاوره قصر مركزي يضم أعمدة ضخمة مزخرفة، بينما يقع القصر الثاني في الجهة الجنوبية الشرقية ويتضمن قاعات واسعة وأفنية داخلية.

كما يُبرز نظام السوق المسقوف مدى التنظيم التجاري الذي اعتمدته الدولة الأموية في تخطيط المدن، إذ تم تشييده بطريقة تُسهّل تنقل البضائع وتوزيعها داخل المدينة وبين الأقاليم المجاورة.

واستمرت المدينة في أداء دورها التجاري حتى أواخر العصر الأموي، لكنها تراجعت تدريجيًا بعد انهيار الدولة، لتتحول إلى موقع أثري حفظ الكثير من ملامحه المعمارية الأصلية، وهو ما شجّع على إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي.

وتُعد عنجر اليوم محطة رئيسية للباحثين في تاريخ التخطيط العمراني الإسلامي، وموقعًا سياحيًا بارزًا في لبنان، يجمع بين الطابع الأثري والجاذبية الجغرافية لمنطقة البقاع.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار