في قلب المدينة العتيقة بمراكش، تقف مدرسة ابن يوسف كشاهد على عظمة الحضارة الإسلامية، فهي ليست مجرد بناء، بل هي صرح للعلم والمعرفة، يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر الميلادي، وتحديدًا بين عامي 1564 و1565، حيث تمّ بناؤها على يد السلطان السعدي أبو محمد عبد الله الغالب بالله، على أنقاض مدرسة أقدم تعود لعهد بني مرين، مما يضيف لها طبقة أخرى من الأهمية التاريخية.
سميت المدرسة بهذا الاسم نسبة إلى جامع بن يوسف المجاور لها، وقد صُمّمت لتكون أكبر مدرسة إسلامية في شمال أفريقيا، وتستوعب مئات الطلاب القادمين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، فكانت مركزًا للإشعاع الثقافي والعلمي، ومقصدًا للعلماء، والمفكرين، والدارسين.
تتميز المدرسة بهندستها المعمارية الفريدة، التي تمزج بين الفخامة، والجمال، فساحتها الداخلية مزخرفة بأجمل النقوش الجصية، والزليج الملون، والأعمدة الرخامية، كما تُزينها الكتابات القرآنية، والزخارف النباتية، التي تُظهر براعة الحرفيين المغاربة في تلك الحقبة، فكل زاوية في المدرسة تُروي قصة عن الفن الإسلامي.

تحتوي المدرسة على عدد من الغرف الصغيرة، التي كانت تُستخدم كأماكن لسكن الطلاب، بالإضافة إلى قاعة كبيرة للدرس، ومكتبة غنية بالمخطوطات، وكتب العلوم، والشريعة، وهذا يؤكد على دورها الريادي في نشر العلم، والثقافة الإسلامية، فكانت بمثابة جامعة عصرية في زمنها، تُخرج علماء، وفقهاء، وقادة للمجتمع.
بفضل أهميتها التاريخية والفنية، تمّ إدراج مدرسة ابن يوسف ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1985، كجزء من مدينة مراكش، وهذا التصنيف يؤكّد على قيمتها، وضرورة الحفاظ عليها، وصيانتها، لتبقى مصدرًا للإلهام للأجيال القادمة.
إنّ زيارة المدرسة اليوم تُعدّ رحلة عبر الزمن، فكل زائر يمكنه أن يتخيل الحياة الطلابية فيها، ويستشعر عظمة المكان، ويدرك الدور الذي لعبته هذه المدرسة في تاريخ المغرب، وحضارته، فهي ليست مجرد مبنى قديم، بل هي رمز حيّ للعلم، والإيمان، والفن.
المصدر: الشرق الأوسط