تُحاط المخطوطات التراثية في موريتانيا اليوم بتهديدات جدية تهدد باندثارها، رغم قيمتها التاريخية والعلمية الفريدة التي توثق لحضارة صحراوية عمرها قرون، حيث تقدر إحصاءات المعهد الموريتاني للبحث العلمي عددها بنحو 40 ألف مخطوط موزعة في مكتبات مدن وادان وشنقيط وتيشيت وولاته، إلا أن ظروف الحفظ السيئة، وغياب الوعي المؤسسي، وضغوط السوق السوداء، تضعف فرص بقائها.
أفنى نذر سيد محمد عابدين سيدي حياته في جمع هذه المخطوطات داخل مكتبته المنزلية في وادان، حيث يحتفظ بأندر نسخة مصحف دخلت موريتانيا في القرن الثامن الهجري، وبمخطوط “مروج الذهب” الذي دُوّن على جلد غزال في القرن الرابع الهجري، مشدداً على أن هذه الكنوز تواجه خطر التلف والضياع في ظل غياب دعم رسمي فعّال، خاصة مع ضغط تجار المخطوطات الذين يحاولون شرائها بأسعار مغرية.
وتكمن أبرز التحديات، بحسب رئيس قسم التاريخ والحضارة في جامعة نواكشوط أحمد مولود أيده الهيلالي، في أن أغلب المخطوطات لا تزال في أيدٍ عائلية، إذ يفضل أصحابها الاحتفاظ بها في صناديق خشبية متهالكة، بدل إيداعها في مؤسسات الدولة المختصة، لاعتبارات ترتبط بالثقة والموروث الثقافي، وهو ما يفاقم وضعها السيئ، خصوصاً مع بيع عدد كبير منها بالفعل، حسب قوله.
ويستعيد الهيلالي تجربة قامت بها الحكومة منتصف السبعينيات بإقناع أصحاب المخطوطات بإيداعها مؤقتاً لدى المعهد الموريتاني للبحث العلمي، مقابل تزويدهم بكتب حديثة، وهي خطوة نجحت حينها في ترميم بعض النسخ، لكنها لم تكتمل لأسباب مالية ومجتمعية.
من جهة أخرى، وفرت السياحة الصحراوية متنفساً محدوداً، بعدما أصبح عرض هذه المخطوطات جزءاً من برامج الرحلات السياحية في المدن القديمة، حيث تحوّلت بعض المكتبات إلى محطات جذب للزوار الأوروبيين، الذين يدفعون رسوماً لمشاهدة مخطوطات تتناول الفلك والرياضيات، ما وفر دخلاً لأصحاب هذه المكتبات وساهم في إبقاء الاهتمام بهذه الوثائق حياً.
لكن يبرز تحدٍ إضافي يشير إليه أحمد محمد يحيى فال، خبير مخطوطات غرب أفريقيا، وهو غياب فهرسة علمية حديثة، وعدم استخدام أدوات الحفظ الرقمية مثل الميكروفيلم، إلى جانب ضعف الموارد والتجهيزات. ويؤكد المصطفى محمد صالح من مؤسسة حماية المدن القديمة أن العديد من المكتبات تقع في مبانٍ غير مؤهلة، ولا تتوافر لدى أصحابها معدات أو تدريب كافٍ في الترميم، مما يزيد من هشاشة هذه الممتلكات.
وتحاول الدولة الحد من الخطر، إذ أنشأت عام 1993 مؤسسة تعنى بالمدن التاريخية، وتعاونت مع مشروع حماية مكتبات الصحراء لتزويد بعض المكتبات بمعدات الحفظ وأجهزة التنظيف وتدريب الفنيين. وصنفت اليونيسكو عام 1996 المدن الأربع التي تضم هذه المخطوطات ضمن قائمة التراث العالمي، إلا أن الخبراء يرون أن هذه الجهود لا تكفي.
ويُجمع المهتمون بالتراث على أن المخطوطات الموريتانية لا تمثل فقط سجلاً معرفياً بل شاهداً نادراً على مجتمع صحراوي رحّل وثق علمه ودينه وفكره في وثائق تجاوزت الجغرافيا ووصلت إلى قلب أفريقيا، ويطالبون بتدخل عاجل لإنقاذها من المصير المجهول.
المصدر:independentarabia