يُشكّل مجمع سيدي بومدين، المعروف محلياً أيضاً باسم مسجد العباد، تحفة معمارية إسلامية خالدة في قلب مدينة تلمسان الجزائرية، إذ يجسد هذا الصرح مزيجاً فريداً من العمارة الدينية والتراث الروحي.
شُيّد هذا المجمع التاريخي في عام 1339 ميلادية، وتحديداً في فترة ازدهار الدولة المرينية التي سيطرت على المنطقة آنذاك، وقد كان الهدف الأساسي منه تكريماً للفقيه والمتصوف والشاعر الأندلسي الكبير شعيب أبو مدين الغوث، المعروف بـ “سيدي بومدين”.
يُعدّ القصر جزءاً من هذا المجمع الكبير الذي يحمل اسم هذا القطب الصوفي الذي استقر في تلمسان، مركزاً للإشعاع العلمي والروحي.
ضمّ المجمع الإسلامي الكبير تحت سقفه أربعة أركان أساسية تُثري قيمته التاريخية والدينية، حيث يضم المسجد الرئيسي وقبته المهيبة، والضريح الخاص بالشيخ سيدي بومدين، بالإضافة إلى المدرسة العريقة والحمام التقليدي الملحق به.
وأمر ببناء هذا الصرح السلطان المريني أبو الحسن علي، الذي حرص على إعطاء مكانة استثنائية لهذا الولي الصالح الذي ترك بصمة عميقة في الفكر الصوفي والزهد في بلاد المغرب الأوسط.
يتميز المسجد، الذي يُعرف أيضاً باسم مسجد العباد، بتصميم معماري مغاربي صرف، يجمع بين الأفنية الواسعة والأروقة الهادئة والممرات المائية التي كانت تضفي على المكان بهجة وروحانية.
احتضنت المدرسة الملحقة بالمجمع أجيالاً من الطلاب والفقهاء، لتصبح منارة للعلم الشرعي والفقهي الذي تلقاه سيدي بومدين في الأندلس قبل قدومه إلى تلمسان.

عملت المدرسة على ترسيخ المذهب المالكي ونشر الفكر الصوفي المعتدل الذي اشتهر به سيدي بومدين، مما جعل تلمسان آنذاك مركزاً جاذباً لطلاب العلم من مختلف أنحاء المغرب الإسلامي.
أسهم هذا التكوين العلمي والروحي في ترسيخ مكانة المدينة كـ “لؤلؤة المغرب الكبير” ثقافياً ودينياً، وظل هذا الإرث مستمراً عبر العصور المختلفة التي مرت على المنطقة.
شهد المجمع تعاقب الدول على تلمسان، من الزيانيين الذين حافظوا على مكانته، إلى فترات الإهمال التي أثرت على بعض أجزائه، لكنه ظل دائماً وجهة أساسية للحجاج والزوار.
يُعدّ ضريح سيدي بومدين مزاراً مهماً يقصده المريدون والباحثون عن البركة والنور، ويقف شاهداً على مكانة التصوف السني في البناء الاجتماعي والثقافي للمنطقة.
تعكس الأروقة والغرف التي كانت جزءاً من القصر المجاور، مثل قصر دار السلطان، العلاقة المتشابكة بين السلطة الحاكمة والرمز الديني الكبير في تلك الحقبة المرينية.
تتجسد الخصائص المعمارية للمجمع في التفاصيل الدقيقة للزخارف والنقوش التي زينت جدرانه وأعمدته، والتي تتناغم مع جمالية الباحات والفسقيات الصغيرة التي كانت تروي المكان بالماء العذب.
تُظهر هذه العناصر المعمارية مزجاً متناغماً بين الوظيفة الدينية الصرفة والجماليات الفنية الراقية، مما يجعله نموذجاً يُحتذى به في بناء المجمعات الإسلامية الكبرى.
تستمر الجهود اليوم للحفاظ على هذا الإرث الثمين وإعادة ترميم الأجزاء المتضررة، لضمان بقاء مسجد سيدي بومدين منارة تضيء تاريخ تلمسان وتراثها الإسلامي العريق للأجيال القادمة’ يمثل هذا المجمع قطباً روحانياً يعزز الهوية الثقافية للمدينة ويستقبل الزوار الباحثين عن السكينة وعمق التاريخ.
المصدر: ويكيبيديا