تحافظ مهنة “كيالي المياه” في بعض مناطق الجزائر على حضورها ضمن النظام التقليدي لتوزيع المياه المعروف باسم “الفقارات”، حيث يمارسها أشخاص يمتلكون معرفة دقيقة بكيفية تنظيم المياه بين الأراضي الزراعية، ويعتمد عليهم المجتمع لضمان العدالة في الري، وضمان استقرار الأنشطة الزراعية، ومنع النزاعات بين السكان، وتعد هذه المهنة من الركائز الحيوية التي تربط بين البنية الاجتماعية والموارد البيئية في البيئات الصحراوية القاحلة.
يعتمد نظام الفقارات على قنوات مائية تحت الأرض، تم إنشاؤها منذ قرون لتأمين توزيع المياه من مصادر جوفية بطريقة متساوية، ويقوم كيالو المياه بقياس الحصص بدقة، وفقًا لمساحات الأراضي وأنواع المزروعات، كما يتحكمون في توقيت الضخ والكمية المخصصة لكل فلاح، ويملكون أدوات حسابية وطرقًا تقليدية تنقل شفهيًا بين الأجيال، تُمكّنهم من أداء مهامهم بدقة دون الحاجة لأجهزة حديثة، ما يعكس ثراء هذا التراث بالمفاهيم الهندسية والتنظيمية المحلية.
تتجاوز مهنة كيالي المياه الجوانب التقنية، حيث تلعب دورًا اجتماعيًا في تقوية العلاقات داخل المجتمعات الزراعية، وتسهم في ضبط الخلافات المتعلقة بالمياه عبر الالتزام بعدالة التوزيع.
ويُنظر إلى الكيال باعتباره حكمًا ومُنظمًا يُحترم من جميع الأطراف، ما يعكس مركزه الرمزي داخل المجتمع، ويجعله عنصرًا من عناصر استقرار الحياة اليومية في المناطق الصحراوية التي تعتمد كليًا على المياه الجوفية.
أدرجت منظمة اليونسكو المعارف المرتبطة بكيالي ماء الفقارات في منطقتي توات وتيديكلت ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، تقديرًا لأهمية هذه المهنة في الحفاظ على نمط حياة بيئي واجتماعي متوازن، وهو ما فتح المجال أمام مبادرات متعددة لتوثيق تقنيات هذه المهنة، حيث ظهرت مشاريع تسعى لحفظ المعرفة عبر أفلام وثائقية ومؤلفات بحثية وشهادات حية من الممارسين.
تعمل جمعيات محلية ومؤسسات ثقافية على تنظيم دورات تكوينية لتدريب الشباب على تقنيات “كيل الماء”، بهدف نقل المعارف من كبار السن إلى الأجيال الصاعدة، في ظل تراجع الإقبال على هذه المهنة بسبب ظروف الحياة الحديثة.
كما ظهرت مطالبات رسمية وشعبية لتثمين هذه المهنة بمنح ممارسيها صفة مهنية معترف بها، وتوفير حماية قانونية لهم، وضمان استمرارية نظام الفقارات الذي لا يزال يمثل موردًا أساسيًا للمياه في عدد من المناطق النائية.
المصدر: اليونسكو