تقف قلعة بني حماد، الواقعة شمال شرق ولاية المسيلة، شاهدة على مرحلة ذهبية من التاريخ الإسلامي في الجزائر، حيث كانت العاصمة الأولى لدولة الحماديين قبل انتقال الحكم إلى بجاية.
شُيدت القلعة سنة 1007 ميلادية على يد حماد بن بلكين الصنهاجي، الذي اختار بعناية موقعًا إستراتيجيًا على ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر، عند سفح جبل تيقريست، بغرض تأمين مركز دفاعي قوي ومهيمن على المناطق المجاورة، هذا الاختيار الجغرافي لم يكن عشوائيًا، بل نتج عن رؤية واضحة لبناء مدينة إسلامية متكاملة تعكس هوية الدولة الجديدة، وتُرسّخ حضورها السياسي والعسكري والثقافي.
امتدت أعمال بناء القلعة على مدار ثلاثين عامًا، وتم خلالها اعتماد نماذج معمارية إسلامية أصيلة، اتّسمت بالزخرفة الدقيقة واستخدام الحجارة المستخرجة من الجبل المحيط، مما أضفى عليها طابعًا فنيًا فريدًا.
تحيط بالقلعة أسوار ضخمة وتتخللها ثلاثة أبواب رئيسية: باب الأقواس، باب جراوة، وباب الجنان، ما يشير إلى البنية الدفاعية المحكمة التي كانت تتمتع بها.
وتضم القلعة عددًا من المعالم المعمارية والدينية المهمة، أبرزها المسجد الكبير الذي يُعد من أوسع المساجد في الجزائر، إلى جانب قصر المنار الذي يحتوي على المصلى الصغير الشهير والذي يُعتقد أنه أصغر مسجد في العالم، بطول لا يتجاوز 1.60 متر.
وعلى امتداد أكثر من 50 كيلومترًا، تنتشر بقايا قصور متعددة بُنيت في عهد الحماديين، أبرزها قصر الأمير الذي تميز بوجود بحيرة داخلية تشبه تلك التي كانت بقصر الحمراء بالأندلس، بالإضافة إلى قصر السلام وقصر الكواكب، اللذين لا يزالان تحت الأنقاض ولم يخضعا بعد لأعمال تنقيب أو ترميم فعلي.
وقد ساهمت هذه البنية العمرانية المتكاملة في جعل القلعة نموذجًا لمدينة إسلامية جامعة، كانت تحتضن بين جدرانها مختلف الطوائف والأعراق التي جمعتها وحدة العقيدة.
ورغم تصنيف قلعة بني حماد كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو منذ عام 1980، فإن الموقع يعاني من تدهور متسارع، حيث لم تشهد القلعة منذ عقود سوى محاولات ترميم محدودة، مثل ترميم صومعة المسجد الكبير في سبعينيات القرن الماضي، وبعض الدراسات الميدانية التي لم تُترجم إلى مشاريع حماية شاملة.
كما أن جزءًا كبيرًا من الكنوز الأثرية المكتشفة في الموقع تم نقلها إلى خارج الجزائر، مثل تلك التي نقلها الباحث الفرنسي لوسيان غولوفان إلى متحف الباردو بباريس، ما ساهم في تهميش هذا المعلم التاريخي الفريد في الذاكرة الثقافية الوطنية.
ورغم الجهود المحدودة التي بذلتها بعض البعثات الجزائرية والأجنبية في ثمانينيات القرن الماضي، ما تزال القلعة تواجه مخاطر حقيقية تهدد باندثارها، لا سيما في ظل غياب التحسيس الإعلامي، وضعف برامج الترميم، وتراجع الاهتمام الرسمي بهذا الموقع الحيوي.
ووفق ما نقله الإدريسي، فإن المدينة كانت في أوجها من أوسع البلاد عمرانًا وأكثرها خيرات، ويحيط بها سور شامخ يحتضنها من كل جانب، مما يعكس عظمتها كواحدة من أهم الحواضر الإسلامية في شمال إفريقيا.
تُعد قلعة بني حماد اليوم كنزًا أثريًا ومعماريًا مهملًا، إلا أن بقاياها المهيبة لا تزال تهمس بمجد ماضٍ سطّره الحاكم الحمادي في جبال الحضنة، وبين جدرانها وأسوارها، ما تزال تتردد أصداء حضارة ازدهرت ثم غابت، بانتظار من يُعيد إليها اعتبارها، ويجعل منها محطة أساسية في خارطة الوعي التاريخي والسياحي الجزائري.
المصدر: ويكيبيديا