شهدت قلعة الحصن تأسيس أول منشآتها خلال عام 1031 بعد أن أمر الأمير شبل الدولة نصر بن مرداس ببناء حصن صغير لحماية الطريق التجاري بين حمص والساحل السوري ، واستقر في هذا الموقع عدد من المقاتلين الأكراد الذين قاموا بتحصينه مما جعله يعرف لاحقاً بـ”حصن الأكراد” ، واستمر الحصن تحت الإدارة المحلية حتى وصل إلى أيدي الصليبيين في النصف الأول من القرن الثاني عشر.
تحولت القلعة منذ عام 1142 إلى موقع عسكري محوري تحت سيطرة فرسان الإسبتارية الذين أعادوا بناءها وتوسعتها لتصبح واحدة من أقوى القلاع المسيحية في المشرق ، وتميزت بهندستها الدفاعية التي صممت لتتحمل الحصار والضربات لفترات طويلة ، وامتدت أهميتها إلى السيطرة على الطرق المؤدية إلى الداخل السوري من الساحل ، ما جعلها هدفاً مستمراً للقوى المتنافسة خلال تلك الحقبة.
انتهى الوجود الصليبي في القلعة مع عام 1271 عندما تمكن القائد المملوكي الظاهر بيبرس من دخولها بعد حصار امتد شهراً كاملاً ، وقام المماليك عقب السيطرة بإجراء ترميمات شملت الجناح الخارجي والبرج الجنوبي ، وأُعيد استخدام القلعة لأغراض عسكرية لعدة قرون لاحقة ، وظلت حتى العصر الحديث واحدة من أفضل القلاع المحفوظة في العالم من فترة العصور الوسطى.
تميزت القلعة بتصميم معماري فريد يمزج بين العناصر الإسلامية والصليبية مثل قاعة الفرسان والكنيسة ومرافق الدفاع متعددة الطبقات ، وتعد نموذجاً فريداً للعمارة العسكرية في تلك الحقبة ، كما تُظهر مدى تطور الفكر الهندسي الذي استخدم في بناء التحصينات خلال القرون الوسطى في المنطقة.
أدرجت منظمة اليونسكو قلعة الحصن على قائمة التراث العالمي في عام 2006 لما تمثله من قيمة تاريخية ومعمارية وثقافية عالية ، وجذبت القلعة آلاف الزوار والباحثين سنوياً ، واعتُبرت من أبرز المعالم السياحية التي تربط بين الحقب الزمنية المتعددة في سوريا.
أثرت الحرب الأهلية السورية بشكل كبير على بنية القلعة وتعرضت أجزاء منها لأضرار متفاوتة نتيجة القصف والمعارك ، ما دفع اليونسكو في عام 2013 لإدراجها على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر ، وبدأت السلطات السورية بالتعاون مع عدد من الهيئات الدولية بتنفيذ أعمال ترميم جزئية في الأجزاء المتضررة ، لكنها لا تزال بحاجة إلى خطة شاملة لحمايتها وإعادة إحيائها.
تبقى قلعة الحصن شاهداً حياً على تحولات عسكرية وسياسية وثقافية استمرت قروناً في المنطقة ، ولا تزال تحظى باهتمام الباحثين والمؤرخين والزوار الذين يرون فيها إحدى أهم القلاع الدفاعية التي صمدت في وجه الزمن والحرب.
المصدر: اليونسكو