تتألق قرية البارة الأثرية في شمال غرب سورية كواحدة من أبرز القرى القديمة التي تعود إلى القرن الرابع الميلادي، حيث قامت على طريق تجاري مهم يربط بين أفاميا وأنطاكية، ما منحها دوراً حيوياً في الحركة الاقتصادية والثقافية، وجعلها شاهدة على عصور الازدهار البيزنطي في المنطقة.
وتندرج البارة ضمن القرى القديمة التي سجلت على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2011، وتعرف باسم “المدن المنسية”، وهي تحمل قيمة ثقافية استثنائية تعكس تنوع الحضارات التي مرت على سورية، وتبرز مكانتها كمركز حضاري أساسي في العصور الماضية.
وتتميز القرية بهياكلها الحجرية المحفوظة، حيث تنتشر بقايا المنازل والكنائس ومعاصر الزيتون، لتشكل صورة متكاملة عن نمط الحياة اليومية في العصر البيزنطي، وتكشف عن براعة البنائين القدامى الذين أبدعوا في تصميم المباني بأسلوب متين وزخارف دقيقة.
وتحتفظ البارة بأطلال تشير إلى ازدهارها الاقتصادي في فترات سابقة، فقد كانت مركزاً تجارياً مزدهراً بفضل موقعها الاستراتيجي، كما لعبت معاصر الزيتون دوراً بارزاً في نشاطها الزراعي، مما يوضح أهمية الزراعة كمصدر رئيسي للحياة الاقتصادية آنذاك.
وتكشف العمارة في القرية عن تصميمات معمارية متطورة، حيث تحتوي على أقواس وأعمدة مزخرفة، وتبرز من خلالها التأثيرات البيزنطية والرومانية، وهو ما يعكس تفاعلاً ثقافياً غنياً جعل من المنطقة نقطة التقاء بين حضارات متعددة.
وتواجه البارة تحديات تتعلق بالحفاظ على تراثها الأثري، إذ تعرضت أجزاء منها لأضرار بسبب النزاعات التي شهدتها سورية في السنوات الأخيرة، غير أن جهود الخبراء تركز على ترميم الهياكل وصيانتها لضمان استمرارها كمعلم تاريخي بارز.
وتجذب القرية الزوار من باحثي الآثار والسياح المهتمين بالتاريخ، حيث توفر لهم فرصة نادرة لاستكشاف تفاصيل الحياة البيزنطية، وتمنحهم تجربة ثقافية غنية تعزز مكانة سورية كوجهة تاريخية عالمية تستحق الاكتشاف.
وتتمتع البارة بموقع ريفي يتميز بجمال طبيعي، إذ تحيط بها التلال الخضراء والمناظر الساحرة التي تمنحها طابعاً فريداً يجمع بين التراث الإنساني والبيئة الطبيعية، مما يضيف بعداً جمالياً لتجربة زيارتها.
وتبرز أهمية القرية في سياق حماية التراث العالمي، فهي تعكس تفاعل الحضارات عبر القرون، وتظل شاهدة على إبداع الإنسان في بناء مجتمعات متكاملة، وتروي قصصاً عن الماضي العريق بكل تفاصيله.
وتعد زيارة البارة رحلة عبر الزمن تمنح الزوار فرصة لاكتشاف أطلال محفوظة بعناية، وتقدم تجربة تاريخية وثقافية متكاملة تؤكد على قيمة الإرث الإنساني المشترك، وتلهم الأجيال بضرورة الحفاظ على هذا التراث.
المصدر: اليونسكو