تُعد صناعة السفن الخشبية التقليدية جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من التراث الكويتي، وهي تُجسد فصلاً مهماً من تاريخ البلاد الذي ارتبط بالبحر والاعتماد عليه في جوانب الحياة كافة، تطورت هذه الحرفة اليدوية لتصبح رمزاً للهوية الوطنية ودليلاً على مهارة الأجداد في التعامل مع البيئة البحرية، اعتمد الاقتصاد الكويتي القديم بشكل كبير على السفن في النقل والتجارة والغوص لصيد اللؤلؤ.
اشتهرت الكويت بإنتاج أنواع متعددة من السفن التي تناسب أغراضاً مختلفة، تضمنت هذه الأنواع البوم، الذي كان يُستخدم للسفر البعيد والتجارة عبر المحيط الهندي وصولاً للهند وشرق أفريقيا، واشتهرت أيضاً الجالبوت والبغلة والبتيل التي كانت تُستخدم للغوص وصيد اللؤلؤ القريب من السواحل، برع النواخذة (قباطنة السفن) والصناع (القلافين) في تصميم سفن تتناسب مع طبيعة المياه وحمولتها.

تُعتبر حرفة “القلاّف” (صانع السفن) من أكثر المهن التراثية أهمية واحتراماً في المجتمع الكويتي، استخدم القلافون أخشاباً مستوردة من الهند وشرق أفريقيا، مثل خشب الساج، لضمان متانة وقوة السفينة في مواجهة أمواج البحر، اعتمدت هذه الصناعة بشكل كلي على الأدوات اليدوية التقليدية والخبرة المتراكمة، دون الاعتماد على الآلات الحديثة.
يُشكل موسم السفر والتنقل عبر هذه السفن جزءاً أساسياً من الذاكرة الجماعية، حيث انطلقت رحلات الغوص لصيد اللؤلؤ في الصيف، بينما كانت رحلات التجارة البعيدة تبدأ مع تغير المواسم لدواعي الأمان وسلامة الإبحار، كانت كل رحلة بحرية تُعتبر مغامرة محفوفة بالمخاطر، تعزز من صفات الصبر والشجاعة لدى البحارة.
انحسرت صناعة السفن الشراعية التقليدية بعد اكتشاف النفط وتطور وسائل النقل الحديثة، وكذلك بعد تراجع تجارة اللؤلؤ، لكن هذه الصناعة لم تندثر تماماً، إذ تُقام اليوم ورش عمل للحفاظ على هذه الحرفة كتراث حي، ويتم بناء نماذج مصغرة وكبيرة للسفن القديمة لعرضها في المتاحف والميادين العامة، يظل البوم الكويتي رمزاً يزين العملات والأختام الوطنية، تذكيراً بماضي الكويت البحري المجيد.
المصدر: الخليج