تُعد مدينة سيقا الأثرية في ولاية عين تموشنت من أبرز المواقع التاريخية التي تعكس عراقة الحضارة النوميدية، فقد كانت عاصمة مملكة نوميديا الغربية الماسيسيل، وسُجلت في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو اعترافًا بقيمتها الأثرية، كما ارتبط اسمها بالملك الأمازيغي صيفاقس الذي يُعد أحد أهم الرموز في تاريخ الجزائر القديم.
يعود تاريخ سيقا إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث لعبت دورًا مهمًا كمركز حضاري وسياسي في عهد النوميديين، قبل أن تتحول إلى ميناء روماني نشط ساهم في تعزيز التواصل التجاري والثقافي مع حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يُبرز أهمية موقعها الاستراتيجي الذي اختير لقربه من وادي التافنة، ما جعلها مركزًا اقتصاديًا قويًا في العصور القديمة.
ويُعد ضريح الملك صيفاقس أحد أبرز معالم سيقا التاريخية، إذ يعكس طابع العمارة الملكية القديمة، ويُجسد مكانة هذا القائد في الذاكرة الأمازيغية، فالضريح ليس مجرد شاهد أثري، بل رمز لهوية ارتبطت بمملكة نوميديا الغربية، كما يُمثل محطة أساسية لفهم ملامح الحكم والسيادة في تلك الحقبة.
وقد عُرفت سيقا بازدهارها التجاري حيث اشتهرت بإنتاج القمح وزيت الزيتون، وكان النبيذ من أبرز صادراتها إلى مناطق مختلفة، وهو ما جعلها نقطة اقتصادية محورية في شمال إفريقيا القديمة، كما ساعد قربها من البحر على تعزيز نشاطها البحري وربطها بالأسواق المتوسطية.
شهدت المدينة حملات أثرية مهمة منذ عام 1978 عندما بدأت بعثة جزائرية ألمانية أعمال التنقيب في الموقع، وأسفرت هذه الحفريات عن اكتشافات أثرية هامة توزعت على المتاحف الوطنية، حيث تُعرض اللقى المكتشفة لتوثيق تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة، وتُبرز هذه النتائج التفاعل بين الحضارتين النوميدية والرومانية.
ولا يقتصر دور سيقا على بعدها التاريخي فقط، بل أصبحت اليوم مركز جذب للباحثين والمهتمين بعلم الآثار، إذ تُوفر مادة غنية للدراسات الأكاديمية حول التداخل الحضاري بين الأمازيغ والرومان، كما أنها وجهة سياحية مميزة تفتح أمام الزوار نافذة على الماضي العريق للجزائر.
وتعمل السلطات المحلية على الحفاظ على هذا التراث، حيث تُنظم فعاليات ثقافية لتعريف الأجيال الجديدة بأهمية سيقا التاريخية، وتُسهم هذه المبادرات في دعم السياحة الأثرية، إضافة إلى تعزيز وعي الزوار بقيمة هذا الموقع، وهو ما يعكس رغبة في ربط الماضي بالحاضر عبر حماية الهوية الحضارية.
إن سيقا ليست مجرد أطلال حجرية، بل هي شاهد حي على تفاعل حضارات متعددة، فهي تجمع بين الإرث النوميدي والآثار الرومانية في لوحة تاريخية متكاملة، وزيارتها تُشكل تجربة ثقافية تُثري معرفة كل من يسعى لاكتشاف عمق الهوية الجزائرية.
المصدر: ويكيبيديا