شكّل دير القديس هيلاريون أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية في قطاع غزة ، ويمثّل هذا الموقع الذي يُعرف أيضًا باسم “تل أم عامر” نقطة تحول مبكرة في تاريخ الرهبنة المسيحية ، إذ أسسه القديس هيلاريون في القرن الرابع الميلادي ليكون أول مجتمع رهباني في الأرض المقدسة.
تميّز الدير بموقعه الاستراتيجي على تقاطع طرق تجارية ودينية بين آسيا وأفريقيا ، ما جعله مركزًا للتبادل الروحي والاقتصادي والثقافي في فترة مبكرة من التاريخ ، واستفاد الرهبان المقيمون فيه من هذه الحركة المتدفقة لبناء شبكة تواصل أثرت في الفكر الديني المسيحي في مناطق متعددة.
احتوى دير القديس هيلاريون على عناصر معمارية غنية ، شملت بقايا كنائس متعاقبة ومدافن وممرات حجرية وصهاريج مياه ، بالإضافة إلى لوحات فسيفساء تبرز مهارات فنية كانت سائدة في تلك الفترة ، وتكشف هذه البقايا عن مراحل تطور الحياة الرهبانية في ظل حكم الإمبراطورية البيزنطية.
واجه الموقع منذ عقود تهديدات متعددة بفعل تكرار الصراعات العسكرية والإهمال في الحماية ، ما دفع منظمة اليونسكو إلى إدراجه رسميًا عام 2024 على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر ، في محاولة لتسليط الضوء على القيمة الثقافية للدير ، ودعوة المجتمع الدولي لحمايته من التلف والاندثار.
أطلق إدراج الموقع على هذه القائمة تحركات جديدة في أوساط المهتمين بالتراث والجهات الثقافية المختصة في فلسطين ، وتمثّلت الخطوة الأولى في توثيق العناصر المعمارية والفسيفسائية المتبقية في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الهوية الأصلية للمكان.
يرتبط اسم الموقع باسم “تل أم عامر” الذي يعود إلى موقع الدير فوق تلال تطل على الساحل الغربي من النصيرات ، وقد منح هذا التكوين الجغرافي سكانه القدرة على البقاء لفترات طويلة رغم التحديات المناخية والجغرافية ، ويؤكد تواصل البعثات الأثرية مع هذا التل أهميته في الحفاظ على ذاكرة المكان.
يُعد الدير حاليًا شاهدًا صامتًا على صراع التاريخ والمعاصرة في قطاع غزة ، ويُطالب الباحثون والمؤرخون بدعمه من خلال مبادرات ترميم مستمرة وفتح المجال أمام الدراسات العلمية المعمقة التي يمكن أن تسهم في تعزيز فهم أصول الرهبنة في الشرق الأوسط.
المصدر: اليونسكو