تحولت مدينة دمشق القديمة إلى رمز ثقافي وإنساني عالمي بعد إدراجها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1979، ويعود هذا الاعتراف إلى ما تختزنه من شواهد معمارية وآثار دينية وتجارية وعسكرية تعكس تاريخ المدينة الطويل، حيث تعاقبت عليها حضارات عدة أبرزها الآرامية واليونانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، وشكلت نسيجًا متنوعًا جعل من المدينة مركزًا روحيًا واقتصاديًا منذ آلاف السنين.
تضم المدينة أسواقًا تاريخية مثل سوق مدحت باشا الذي ما زال يحتفظ بتخطيطه القديم ونشاطه التجاري، ويعد هذا السوق امتدادًا للشارع المستقيم الذي يعود للعصر الروماني، ويمثل نموذجًا فريدًا لطول العمر المعماري للمدينة، وتجاوره بيوت عربية تقليدية تميزت بفناء داخلي تتوسطه نافورة وحوله غرف مزخرفة بأقواس وأبواب خشبية منقوشة.
تحتوي دمشق القديمة على قلعة تاريخية محاطة بخندق مائي وجدران حجرية سميكة، وقد خضعت لتعديلات معمارية منذ العهد الأيوبي وحتى العثماني، واستخدمت كمركز دفاعي وسكني وإداري، بينما يبرز قصر العظم كمثال على العمارة الدمشقية العثمانية، حيث صُمم لاستقبال الضيوف الرسميين ويضم قاعات واسعة بزخارف ملونة وأرضيات مرمرية.
شهدت المدينة تطورًا دينيًا متوازيًا مع تطورها العمراني، ويبرز الجامع الأموي كأحد أعظم إنجازات العمارة الإسلامية المبكرة، حيث بُني في موقع كنيسة يوحنا المعمدان، ويجمع بين الزخارف البيزنطية والمحراب الإسلامي، ويُعتبر أحد أهم المزارات الدينية في العالم الإسلامي، كما تنتشر كنائس تاريخية من أبرزها كنيسة حنانيا التي تعود للعهد المسيحي الأول، وتقع في حي مسيحي قديم يعكس تعدد الأديان في المدينة.
تحتوي دمشق القديمة أيضًا على خانات تاريخية كانت مخصصة لاستراحة القوافل، ومن أشهرها خان أسعد باشا الذي بُني في القرن الثامن عشر، ويعد واحدًا من أوسع الخانات العثمانية تصميمًا، ويتميز بقبة مركزية وأعمدة حجرية ضخمة، وقد استخدم كفندق ومخزن لتجار المدن القريبة.
تواجه المدينة اليوم تحديات تهدد وجودها، فقد تعرضت أجزاء من أسوارها ومبانيها للتلف بسبب الحرب في سوريا، وهو ما دفع اليونسكو لإدراجها على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر منذ عام 2013، وتزايدت التحذيرات من تدهور المعالم بفعل الإهمال أو التعدي العشوائي، خصوصًا أن بعض الأبنية مهددة بالانهيار بسبب ضعف البنية التحتية أو الترميم غير المتخصص.
تُعد دمشق القديمة اليوم مقصدًا هامًا للسياح رغم ظروف الحرب، ويزورها الباحثون والمؤرخون والمهتمون بالتراث لرؤية شواهدها الحية، كما تسعى منظمات ثقافية ومجتمعية للحفاظ عليها وتنظيم الفعاليات الثقافية فيها، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من هوية المدينة التي وصفت بأنها الأقدم في التاريخ المأهول بلا انقطاع.
المصدر: اليونسكو