السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مادي » الآثار » حيدرة التونسية تكشف إرث الجنود الأوائل ونهضة الإمبراطورية الضائعة قرب الحدود

حيدرة التونسية تكشف إرث الجنود الأوائل ونهضة الإمبراطورية الضائعة قرب الحدود

تقف مدينة حيدرة الواقعة بمحافظة القصرين قرب الحدود الجزائرية شاهدة على تعاقب حضارات عديدة صنعت تاريخ شمال أفريقيا، إذ يعود تأسيسها إلى القرن الأول الميلادي حين أنشأها الرومان تحت اسم “أميدرة” لتكون مركزًا عسكريًا ضمن سياستهم التوسعية، وامتدت مساحتها إلى نحو 250 هكتارًا على بعد يقارب 250 كيلومترًا من قرطاج العاصمة، لتتحول لاحقًا إلى إحدى أهم المدن الرومانية في أفريقيا الشمالية.

عرفت المدينة ازدهارًا كبيرًا حين أصبحت مستعمرة رومانية رسمية، وبرزت كمحطة تجارية وعسكرية تربط بين قرطاج وتبسة في الجزائر، فشُيّدت فيها المعابد والحمامات العامة والمسرح الضخم الذي لا يزال يحتفظ ببعض مدرجاته وأروقته المقببة، كما أقيم حي الفوروم الذي كان قلب المدينة النابض بالحياة، وضم المعبد الكبير المعروف بالكابيتول، وغرفًا كانت مخصصة لتماثيل الآلهة، وسوقًا واسعة تحتوي على دكاكين مفتوحة على ساحة كانت مخصصة للشؤون التجارية والمالية والقضائية، مما جعلها نموذجًا حيًا للمدينة الرومانية الكاملة.

تحوي حيدرة مجموعة مميزة من المعالم التاريخية التي توثق مراحل متعددة من التاريخ القديم، منها كنائس ميليوس والشهداء والوندال والحصن، إضافة إلى الأضرحة ذات الأشكال الرباعية والسداسية وقوس النصر الذي يُعد من أبرز أقواس النصر في شمال أفريقيا.

ويؤكد خبراء الآثار أن هذا القوس يمثل رمزًا لهيمنة الحضارة الرومانية على المنطقة، كما تحتضن المدينة حصنًا بيزنطيًا وعدة حمامات عامة ومعابد أبرزها معبد الكابيتول، مما يعكس تنوع التأثيرات المعمارية التي مرت على المدينة عبر العصور.

صورة من الموقع الأثري بحيدرة

ويبرز موقع حيدرة كدليل حي على عبقرية التخطيط العمراني القديم، إذ جمعت بين الدفاع والعمران والفن في مكان واحد، فكانت الحصون تحميها من الغزوات، والمسرح يجمع الناس حول الفن، والحمامات تبرز رفاهية الحياة في تلك الفترة، ما يجعلها اليوم موقعًا أثريًا ذا قيمة ثقافية وإنسانية كبيرة.

تظل حيدرة مدينة تتحدث بصمت حجارتها، وتروي قصص الشعوب التي مرّت بها وكتبت على أرضها فصولًا من التاريخ الإنساني، حيث تتحول زيارتها إلى رحلة في عمق الزمن تكشف كيف استطاع الإنسان بناء حضارة من رحم الجبال والوديان، وتبقى شاهدًا على أن الحضارات قد تزول أجسادها لكن آثارها تظل ناطقة بما صنعته الأيدي ذات يوم.

المصدر: العين الإخبارية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار