استخدم الرعاة منذ قرون فن الحداء كوسيلة فريدة للتواصل مع الإبل في بيئات الصحراء، حيث استمر هذا الشكل التقليدي من الغناء كجزء حي من التراث الثقافي غير المادي للعديد من المجتمعات في شبه الجزيرة العربية، وارتبط الحداء بشكل وثيق بمظاهر الحياة البدوية التي اعتمدت بشكل كبير على الإبل كوسيلة للنقل والمعيشة.
وتميّز الحداء بتوظيف الألحان والنغمات الصوتية المؤثرة التي يتفاعل معها الحيوان بطريقة ملموسة، وهو ما منحه وظيفة عملية تتجاوز مجرد الأداء الشفهي أو الغنائي.
اعتمد الرعاة والمربون على إيقاعات الحداء لتحفيز الإبل على الحركة، وتوجيهها نحو مسارات معينة، وتهدئتها عند الضرورة، حيث أثبتت التجربة أن الإبل تستجيب بوضوح للصوت البشري عندما يُؤدى بنبرة معتادة ومألوفة، مما يعكس قدرة هذه الحيوانات على التفاعل مع الإنسان بشكل غير مباشر، كما يدل على فهم الرعاة العميق لطبيعة الإبل وسلوكها النفسي والبيئي، وقد استمرت ممارسة الحداء حتى الوقت الحاضر في العديد من المجتمعات، من خلال تناقله شفهياً بين الأجيال كأداة تعليمية وثقافية لها جذور عميقة.
برزت عدة أنواع من الحداء، مثل حداء الرحيل الذي يرافق الإبل عند تحركها من منطقة إلى أخرى، وحداء السفر الذي يُستخدم أثناء التنقل الطويل، وحداء السقي أثناء إرواء الإبل من الآبار، وحداء الأوبة عند جمع القطيع وقيادته إلى مواقع الرعي، وتدل هذه الاستخدامات المتعددة على مرونة الحداء بوصفه فناً وظيفياً له علاقة مباشرة بنمط الحياة اليومي للرعاة، وقدرتهم على استخدام الصوت كأداة توجيه وتحكم واستقرار.
أدرجت منظمة اليونسكو فن الحداء ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، في خطوة تعكس الاهتمام العالمي بحماية الموروثات الشفهية والحرفية التي تعبر عن خصوصية المجتمعات المحلية، ويساهم هذا الاعتراف في دعم جهود الصون والتوثيق، ويشجع على مواصلة إحياء هذا الفن في سياقات الحياة المعاصرة، ويمنح المجتمعات الصحراوية مساحة لإبراز مكون أصيل من ثقافتها كان لزمن طويل جزءاً من ممارساتها اليومية، ويؤكد إدراج الحداء أن علاقة الإنسان بالحيوان كانت، ولا تزال، محاطة بفهم عميق وسلوك موروث يتجاوز الطابع النفعي.
تعبّر ممارسة الحداء عن استمرار مظاهر الترابط بين الإنسان وبيئته، ويظهر من خلالها التأثير الثقافي المتبادل الذي ينشأ في المجتمعات التي تعيش في ظروف بيئية قاسية، ومع استمرار توارث هذا الفن في العديد من المناطق الخليجية، يظل الحداء حاضراً في المشهد التراثي بوصفه رمزاً لصوت الصحراء وذاكرة الرحالة والبادية، ويتحول من أداء تقليدي إلى تراث ثقافي حي يعكس هوية متجذرة ومرنة في آنٍ واحد.
المصدر: الجزيرة نت