الأربعاء 1447/04/16هـ (08-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » مرئي » الآثار » جبل قطراني يكشف أسرار الحياة القديمة في مصر

جبل قطراني يكشف أسرار الحياة القديمة في مصر

يمثل جبل قطراني شمال بحيرة قارون في محافظة الفيوم أحد أبرز المواقع الطبيعية والأثرية التي تحمل قيمة علمية وتاريخية كبيرة، إذ عُثر فيه على مجموعة واسعة من الأحافير النادرة التي تعود إلى عصور جيولوجية سحيقة، وتشمل بقايا أسلاف القرود والفيلة المعروفة باسم موريثيريوم إلى جانب أنواع أخرى من الثدييات التي كانت تعيش في بيئات المستنقعات، كما يضم الجبل بقايا أخشاب متحجرة تعكس طبيعة الغطاء النباتي القديم وتساعد على رسم صورة متكاملة عن الحياة التي سادت المنطقة قبل ملايين السنين.

ويحتوي الموقع أيضًا على محاجر قديمة استخدمت منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد في عهد مصر الفرعونية، حيث مثلت مصدرًا رئيسيًا لاستخراج الأحجار التي دخلت في تشييد المعابد والمقابر وصناعة التماثيل، وهو ما يعكس دور الجبل كمورد أساسي في مراحل تطور استخدام المشغولات الحجرية عبر العصور، وقد أظهرت الدراسات الأثرية أن تقنيات القطع والنقل المستخدمة هناك تعبر عن مستوى متقدم من المعرفة الهندسية والتنظيمية لدى المصريين القدماء.

ويجمع جبل قطراني بين القيمة الجيولوجية المرتبطة بالأحافير الفريدة والقيمة التاريخية المرتبطة باستغلال موارده في العصور الفرعونية، وهو ما يمنحه خصوصية بارزة ويجعله جزءًا محوريًا من المشهد الطبيعي والثقافي في الفيوم، كما أنه يمثل سجلًا حيًا لتاريخ طويل يجمع بين البيئة الطبيعية والأنشطة البشرية، مما يعزز أهميته كأحد أبرز المواقع المرشحة للحصول على الاعتراف الدولي.

اليونسكو تضع جبل قطرانى بالفيوم على قائمة التراث العالمى - اليوم السابع

وقد حظي الموقع باهتمام خاص منذ مطلع الألفية الجديدة، إذ تم ترشيحه رسميًا عام 2003 وإدراجه ضمن القائمة الإرشادية لليونسكو في مصر، وهو ما يعكس إدراك المؤسسات الوطنية والدولية لقيمته العلمية والبيئية، ويعزز من الجهود المبذولة لحمايته وإعادة اكتشافه كعنصر أساسي في ملف التراث العالمي الذي تسعى مصر إلى دعمه وإثرائه بمواقع جديدة.

ويؤكد علماء الجيولوجيا والآثار أن جبل قطراني يشكل مرجعًا علميًا مهمًا لفهم تطور الحياة البرية والنباتية في المنطقة، إذ إن الأحافير المكتشفة هناك توفر دلائل دقيقة على تغير المناخ والبيئة عبر العصور، كما أنها تساهم في دراسة التطور الحيواني والنباتي الذي شهدته شمال إفريقيا، بينما تظل المحاجر القديمة شاهدة على براعة المصريين القدماء في استغلال مواردهم الطبيعية لتشييد حضارة خالدة.

ويستمر العمل حاليًا على تعزيز الحماية للموقع من خلال برامج توثيق ودراسات ميدانية تهدف إلى رفع وعي المجتمع المحلي بأهميته وإبراز قيمته أمام الزوار والباحثين، كما تسعى الدولة إلى إدماج جبل قطراني ضمن المسارات السياحية والثقافية في الفيوم ليصبح وجهة علمية وسياحية في آن واحد، وهو ما يفتح الباب أمام فرص جديدة للاستثمار في السياحة البيئية والثقافية.

ويظل جبل قطراني نموذجًا فريدًا يجمع بين التاريخ الطبيعي والحضاري، وموردًا علميًا يسهم في فهم مسار تطور الحياة على الأرض، ودليلًا على تواصل الأجيال في استغلال الطبيعة وتوثيق علاقتها بالإنسان، بما يعزز مكانة مصر على خارطة التراث العالمي ويجعل من هذا الجبل شاهدًا بارزًا على عراقة التاريخ وتنوع البيئة.

المصدر: اليوم السابع

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار