الخميس 1447/02/27هـ (21-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مرئي » المعالم التاريخية » جامع الزيتونة نموذج معماري فريد ومرجع ديني وعلمي

جامع الزيتونة نموذج معماري فريد ومرجع ديني وعلمي

يُعد جامع الزيتونة من أبرز المعالم الإسلامية في تونس، فهو ثاني أقدم جامع في البلاد، كما يُعتبر مركزًا دينيًا وتعليميًا هامًا منذ تأسيسه، وقد حافظ على مكانته عبر العصور بفضل اهتمام متواصل من الحكام والسلاطين الذين تعاقبوا على البلاد، حيث يرجع بناؤه إلى عام 79 هـ / 699 م على يد حسان بن النعمان الغساني فاتح تونس، ثم أُعيد بناؤه من قبل عبيد الله بن الحبحاب والي إفريقية سنة 110 هـ / 728 م، مستعينًا بخبرات مصرية في العمارة والبناء، ويُعتقد أن اسمه يعود إلى موقعه الذي كان يحتوي على شجرة زيتون، أو إلى الكنيسة القديمة التي كانت تُعرف باسم “القديسة أوليف”.

تميّز الجامع ببنية معمارية متناسقة تجمع بين متانة البناء وتناسق الزخرفة، إذ بُني على شكل مستطيل غير متساوي الأضلاع، وتوزعت فيه الأروقة والصحن بشكل منظم.

كما تأثر الجامع بشكل كبير بفترة حكم الأغالبة، الذين عملوا على توسيعه وتجديده بشكل شامل، ويُنسب هذا التطوير إلى الأمير أبي إبراهيم أحمد الذي أنشأ بيت صلاة يتكوّن من خمسة عشر مسكبة تعلوها أقواس حجرية.

واستمر العمل على تطوير الجامع في العهد الفاطمي، حين قام الولاة الصنهاجيون بإضافة القبة الفخمة التي تعلو البهو الرئيسي، وبذل المنصور بن أبي الفتوح جهودًا كبيرة في زخرفة الرواق.

أما في العهد الحفصي، فقد تم تزويد الجامع بالمياه عبر قناة من زغوان، وبُنيت خزانات مائية ضخمة، كما أُنشئت عدة مكتبات أبرزها مكتبة أبي فارس عبد العزيز، ومكتبة أبي عمر عثمان، والمكتبة العبدلية، وكلها تضم مخطوطات وكتبًا نادرة.

وشهد الجامع تراجعًا في العناية خلال الاحتلال الإسباني، ثم عاد الاهتمام به مع بداية العهد العثماني، حيث أُقيمت صومعة جديدة وزُوّد الجامع بمزولة لتحديد أوقات الصلاة، وتم تسقيف المجنبة الشرقية، وزُينت جدران الجامع بالجبس المنقوش.

كما بُنيت صومعة جديدة في العصر الحسيني على النمط المغربي الأندلسي، إلى جانب سلسلة من أعمال الترميم والتجديد التي شملت مختلف أجزائه.

يمتد جامع الزيتونة على مساحة تُقدّر بـ 5000 متر مربع، ويحتوي على تسعة أبواب، وتتوسط فنائه المزولة، بينما ترتفع صومعته المربعة في الزاوية الشمالية الغربية بارتفاع 43 مترا، وتشبه هذه الصومعة إلى حد كبير صومعة جامع القصبة، في حين جُلبت أعمدته الرخامية من مواقع أثرية رومانية وبيزنطية، بينما استُورد بعضها من إيطاليا خلال القرن التاسع عشر.

ويُغطي سقف بيت الصلاة عوارض خشبية بارزة ترتكز على أعمدة رخامية، بينما تعلو المحراب قبة مزخرفة ذات قاعدة مربعة، تعلوها زخارف دقيقة وقوس رخامي أبيض وأسود، وتحتوي هذه القبة على عشر نوافذ وتيجان مورقة ونقوش جصية تعكس براعة الزخرفة الإسلامية.

واشتهر الجامع بدوره التعليمي إلى جانب دوره الديني، حيث كانت تُعقد فيه حلقات علمية مفتوحة، ثم تطور هذا النشاط ليُصبح تعليمًا نظاميًا، فأسست جامعة الزيتونة كمنارة للعلم يتوافد إليها الطلبة من داخل تونس وخارجها.

وشهد نظام التعليم إصلاحات مهمة، أبرزها تلك التي قادها أحمد باشا باي عام 1842، ثم محمد الصادق باي عام 1876 بإشراف الوزير خير الدين، حيث تم إعداد نظام واضح لتدريس العلوم الإسلامية والعربية داخل الجامع.

ويُعد جامع الزيتونة إلى اليوم أحد أهم رموز الهوية الإسلامية والعلمية في تونس، لما له من إرث معماري وتاريخي حافظ عليه عبر تقلبات العصور السياسية والدينية.

المصدر: وزارة الشئون الثقافية التونسية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار