الخميس 1447/02/27هـ (21-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مرئي » المعالم التاريخية » جامع الزيتونة في تونس.. معلم ديني وعلمي صمد لقرون

جامع الزيتونة في تونس.. معلم ديني وعلمي صمد لقرون

جامع الزيتونة في تونس.. معلم ديني وعلمي صمد لقرون

يُعد جامع الزيتونة أحد أعرق المساجد في العالم الإسلامي، وأقدم ثاني جامع في تونس بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان، وقد تأسس في نهاية القرن الأول الهجري، على يد القائد حسان بن النعمان الغساني، فاتح تونس، نحو سنة 79هـ، الموافق لعام 699م، قبل أن يخضع لإعادة إعمار وتوسعة شاملة بعد ثلاثة عقود على يد عبيد الله بن الحبحاب، والي إفريقية في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

تميّز هذا الجامع منذ نشأته بعمارة متماسكة وزخارف متنوعة، كما تم بناؤه في موقع استراتيجي بقلب مدينة تونس القديمة، محاط بالأسواق والشوارع الحيوية، ما عزز دوره كمركز ديني وتعليمي واقتصادي.

عمارة متجددة

احتفظ جامع الزيتونة بهويته المعمارية الأصيلة رغم مروره بعدة مراحل من الإعمار والتجديد، حيث تركت كل دولة مرّت على تونس بصمتها على بناء الجامع وزخرفته، وقد لعب الأغالبة دورًا كبيرًا في توسيع الجامع وتحسين بنائه، خاصة في عهد الأمير أبي إبراهيم أحمد الذي بنى بيت الصلاة على شكل مربع غير منتظم، مساحته تتجاوز 1300 متر مربع، ويحتوي على خمس عشرة مسكبة.

وفي العصر الفاطمي، واصل الولاة الصنهاجيون تطوير الجامع، إذ قام المنصور بن أبي الفتوح ببناء قبة البهو والرواق، وهي واحدة من أبرز إضافات تلك المرحلة.

أما في فترة الحكم الحفصي، فقد زوّد السلطان المستنصر بالله الجامع بالمياه عن طريق قناة من زغوان، كما أنشأ السلطان أبو عبد الله محمد الحفصي مقصورة الجنائز، والسبيل الذي تحتها.

مكتبات علمية

أسّس الحكام خلال العصور المختلفة ثلاث مكتبات داخل الجامع، أولاها مكتبة أبي فارس عبد العزيز التي أُنشئت عام 1419م، وتلتها مكتبة أبي عمر وعثمان في عام 1450م، وأخيرًا المكتبة العبدلية التي أنشأها أبو عبد الله محمد في القرن الخامس عشر الميلادي، وتوزعت هذه المكتبات في مواقع متفرقة داخل الجامع، ما يعكس تنوع مصادر المعرفة المتاحة فيه.

وتُظهر هذه المؤسسات التعليمية أن الجامع لم يكن فقط مركزًا للصلاة، بل كان منارة علمية تحتضن طلاب الفقه والحديث واللغة والتفسير، حيث التفّ حول أئمته العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مما مهّد الطريق لاحقًا لظهور “جامعة الزيتونة” كمؤسسة تعليمية قائمة بذاتها.

رمزية مستمرة

تعرض الجامع خلال الاحتلال الإسباني للإهمال، لكن العناية به عادت خلال الحكم العثماني، حيث قام المراديون ببناء صومعته الجديدة وزيادة ارتفاعها، كما أنشأوا صحن الجنائز، ووضعوا مزولة لتحديد أوقات الصلاة، وجددوا الزخارف وسقوف الجامع، وخلال العصر الحسيني، استُبدلت الصومعة القديمة بأخرى على الطراز المغربي الأندلسي، وأجريت أعمال ترميم واسعة على مختلف أجزائه.

يبلغ امتداد الجامع أكثر من 5000 متر مربع، ويحتوي على تسعة أبواب، وقد صُمم على هيئة مستطيل غير منتظم، يشبه تخطيط جامع القيروان، تحيط بفنائه أروقة تستند على أعمدة من الرخام، بعضها جُلب من إيطاليا، والبعض الآخر من الآثار الرومانية والبيزنطية، ويحتوي بيت الصلاة على أسقف خشبية مسطحة من الخارج، بارزة من الداخل، ترتكز على أعمدة أثرية.

تعلو المحراب قبة مربعة من الحجارة المنقوشة، تحمل زخارف دقيقة ونوافذ مقوسة، ويعلوها نصف كرة مزخرف، ويبرز جمال المحراب بلوحة رخامية منحوتة ونقوش جصية متقنة.

ظل جامع الزيتونة قلب الحياة الدينية والعلمية في تونس، إذ كان مقرًا لحلقات العلم ودروس الفقه والتفسير واللغة، حتى أصبح التدريس فيه منظمًا منذ القرن التاسع عشر، بفضل إصلاحات أحمد باشا باي ومحمد الصادق باي، بإشراف الوزير خير الدين، ما جعله أحد أقدم الجامعات الإسلامية في العالم العربي.

رغم مرور الزمن وتغير الأنظمة، حافظ جامع الزيتونة على مكانته الرفيعة بوصفه رمزًا للعلم والدين، ولا يزال إلى اليوم مقصدًا للزائرين والطلاب والباحثين في مختلف العلوم الإسلامية والإنسانية، باعتباره من أبرز المعالم التاريخية في مدينة تونس.

المصدر: وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار