يُعدّ جامع التوبة، الواقع في مدينة طرابلس بشمال لبنان، معلمًا دينيًا وتاريخيًا عريقًا، حيث يعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وذلك بأمر من السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، ويُشكّل هذا المسجد جزءًا لا يتجزّأ من النسيج المعماري الإسلامي في المدينة، ويحتلّ مكانة خاصة في قلوب أهلها.
تمّ بناء الجامع في فترة ازدهار العمارة المملوكية، وقد تميّز بتصميمه الذي يجمع بين البساطة والفخامة، واستُخدمت فيه مواد بناء محلية، مما أضفى عليه طابعًا أصيلًا، فكان مركزًا للعبادة والعلم، وملتقى للمسلمين من جميع أنحاء المنطقة.
شهد الجامع مراحل تاريخية مختلفة، فقد خضع لعمليات تجديد خلال العهد العثماني، حيث قام الأمير حسين بن يوسف سيفا بترميم أجزاء منه، وإضافة بعض العناصر المعمارية الجديدة، التي تعكس فنّ العمارة العثمانية، مما جعله يجمع بين الطرازين المعماريين المملوكي والعثماني، ويُظهر التداخل الحضاري بينهما.
يتميز جامع التوبة بوجود مئذنة شامخة، وقبة مزخرفة، وقاعة صلاة واسعة، تستوعب المصلين، بالإضافة إلى وجود فناء داخلي، تتوسطه نافورة للوضوء، وهذا التصميم النموذجي للمساجد التاريخية، الذي يضمن الراحة والهدوء للمصلين.
يُعتبر جامع التوبة أحد العناصر الهامة التي تشكّل موقع “مدينة طرابلس القديمة”، المدرج في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، وهذا التصنيف يؤكّد على قيمته الأثرية، ويبرز دوره كجزء أساسي من التراث الحضاري للمدينة، ويُشجّع على الحفاظ عليه، وصيانته، ليبقى رمزًا للتاريخ والإيمان.
إنّ زيارة جامع التوبة لا تقتصر على الطابع الديني، بل هي رحلة ثقافية، حيث يمكن للزائر أن يتأمل في فنون العمارة الإسلامية، وجمال النقوش والزخارف، ويستشعر عظمة التاريخ الذي مرّ على هذا المكان، ويدرك أهمية الحفاظ على التراث.
المصدر: الميادين