السبت 1447/03/14هـ (06-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » الآثار » تاورة الجزائرية تكشف أسرار الحضارات المتعاقبة عبر العصور الطويلة

تاورة الجزائرية تكشف أسرار الحضارات المتعاقبة عبر العصور الطويلة

تُعد مدينة تاورة الواقعة في ولاية سوق أهراس شرق الجزائر واحدة من أبرز المواقع الأثرية التي تعكس امتداد الحضارات القديمة في المنطقة، إذ تعود نشأتها إلى العهد الروماني في القرن الثاني الميلادي، وقد أدرجت ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو لما تحمله من قيمة حضارية وتاريخية كبيرة، وهو ما يجعلها محطة رئيسية لدراسة التبادل الثقافي والديني والتجاري الذي شهدته الجزائر عبر العصور.

عرفت تاورة أدواراً متعددة خلال مراحل التاريخ، فقد امتد تأثيرها منذ الفينيقيين والقرطاجيين الذين جعلوا منها موقعاً تجارياً مهماً، وصولاً إلى الرومان الذين أسسوها كمركز إداري وأسقفي بارز، وهو ما جعلها تحتل مكانة دينية بارزة بعد أن تحولت إلى مقر كاثوليكي رسمي، في وقت زارها القديس أوغسطين، مما يعكس أهميتها في المشهد الديني القديم.

كما لم تسلم المدينة من تأثير الحضارات الأخرى، فقد ترك الوندال بصماتهم على بعض معالمها، قبل أن يعيد البيزنطيون بناء تحصينات قوية لا تزال بقاياها شاهدة على التطور العسكري والهندسي في تلك الفترة، حيث تظهر الأسوار السميكة والأبراج المربعة التصاميم الدفاعية المحكمة التي ميزت العمارة البيزنطية.

تاورة | Archiqoo

وتضم تاورة أنقاض قلعة أسقفية تعود إلى العصر الروماني، حيث يظهر من خلال بقاياها تخطيط استراتيجي واضح، يشمل برجين رئيسيين للحماية إضافة إلى مداخل محصنة بعناية، وقد ساعد الموقع الجغرافي المحاط بالتضاريس الطبيعية في جعلها حصناً يصعب اقتحامه، الأمر الذي منحها دوراً عسكرياً بارزاً.

وتبرز أهمية تاورة أيضاً من خلال ارتباطها بالقديسة كريستين التي أعدمت عام 304 ميلادي، حيث ارتبطت سيرتها بالمكان مما عزز البعد الروحي للمدينة، وجعلها مرجعاً دينياً في المخيلة المسيحية القديمة، الأمر الذي ساهم في استمرار الاهتمام التاريخي بها حتى العصور المتأخرة.

كما لعبت المدينة دوراً تجارياً محورياً، فقد شكلت نقطة عبور هامة بين حضارات شمال إفريقيا، إذ تحولت إلى حلقة وصل في مسارات التجارة القديمة، وهو ما تؤكده الآثار التي تكشف عن تنوع المنتجات المتبادلة وتطور النشاط الاقتصادي فيها.

وتسعى السلطات المحلية والمهتمون بالتراث إلى الحفاظ على هذا الإرث، حيث يتم تنظيم فعاليات ثقافية للتعريف بتاريخ تاورة وإبراز مكانتها الحضارية، في حين تشكل هذه الجهود رافداً مهماً للسياحة الأثرية في المنطقة، بما يسمح بجذب الباحثين والزوار على حد سواء.

إن زيارة تاورة تتيح للمهتمين فرصة استكشاف تاريخ ممتد عبر عصور مختلفة، حيث تعكس آثارها التعددية الثقافية والحضارية، كما تمنح الزائر تجربة معرفية مميزة تربط بين الماضي والحاضر، وهو ما يجعلها واحدة من أبرز الوجهات الأثرية التي تجسد الإرث الجزائري الغني والمتنوع.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار