افتتحت السلطات الجزائرية مسجد عبد الحميد بن باديس بمدينة وهران يوم 16 أبريل 2015 بعد أربعة عقود من انطلاق فكرة بنائه سنة 1975، ليصبح ثاني أكبر مسجد في الجزائر بعد مسجد الجزائر الأعظم، وقد جاء هذا المشروع الضخم تتويجًا لجهود طويلة امتدت لعشرات السنين، وشارك فيها مواطنون ومسؤولون سعيًا لإقامة معلم ديني يليق بمكانة المدينة وتاريخها العلمي.
بدأت فكرة إنشاء المسجد في مطلع السبعينيات بمبادرة من سكان وهران الذين طالبوا ببناء مسجد جامع يعكس هوية المدينة الإسلامية، إلا أن المشروع ظل مؤجلًا حتى تم تسجيله رسميًا في منتصف السبعينيات، وقد واجهت السلطات المحلية عدة صعوبات تمثلت في نقص التمويل وتعثر تخصيص الأرض المناسبة، مما أدى إلى تغيير موقع البناء أربع مرات متتالية حتى استقر في حي جمال الدين شرق وهران بعد تأخر تجاوز الثلاثين عامًا.
انطلقت أعمال البناء فعليًا عام 2000 على مساحة تقدر بأربعة هكتارات من قبل شركة جزائرية، لكن المشروع توقف سريعًا بسبب نفاد التمويل، ثم أُسند إلى شركة صينية لم تتمكن بدورها من استكمال الأشغال للسبب نفسه، وظل المشروع معلقًا إلى أن تدخل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عام 2008 وخصص غلافًا ماليًا قدره خمسة مليارات دينار جزائري، لتستأنف الأشغال سنة 2013 من طرف شركة تركية تمكنت من إتمام البناء في الموعد المحدد.

تميز المسجد بتصميم معماري أندلسي مغاربي فريد يجمع بين الأصالة والحداثة، وقد شُيّد على مساحة مبنية تتجاوز 639 ألف متر مربع، وتعلو صرحه منارة بارتفاع 104 أمتار مكسوة بالزجاج، وهي الأولى من نوعها في الجزائر، تتألف من واحد وعشرين طابقًا تضم المكاتب الإدارية والمصالح التابعة للمسجد، بينما تتوسطه قبة ضخمة يبلغ ارتفاعها 64 مترًا تعكس الدقة والجمال في البناء والزخرفة.
يضم المسجد قاعات صلاة متعددة تتسع لأكثر من خمسة وعشرين ألف مصلٍ، بينها قاعة رئيسية للرجال وأخرى للنساء في الطابق العلوي، إضافة إلى فضاءات مخصصة للمناسبات الدينية والأنشطة الثقافية، وتزين داخله ثريا كبيرة معلقة في السقف تضفي رونقًا بصريًا فريدًا، كما يحتوي على ثمانية أبواب رئيسية اثنان منها مصنوعان من الخشب والبرونز.
أُنشئ إلى جانب المسجد معهد عالٍ للإمامة ومدرسة قرآنية ومركز للفنون الإسلامية، فضلًا عن قاعة محاضرات تتسع لستمائة شخص، ومكتبات متعددة وقاعات عرض ومدياتيك، إلى جانب مركز تجاري وموقف سيارات يسع أكثر من ستمائة مركبة، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 5.8 مليار دينار جزائري.
كُلف مجلس إدارة خاص بتسيير هذا الصرح الديني بعد تنصيبه رسميًا من قبل وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، ويشرف المجلس على خدمات الصيانة والنظافة والتنظيم، فيما أُسندت مهام الأمن لمؤسسات خاصة لضمان سير الأنشطة بكفاءة عالية، كما يعمل المسجد على تنظيم لقاءات فكرية وثقافية ويستضيف مؤتمرات علمية بهدف تعزيز دور الدين في الحياة الاجتماعية.
يُعد مسجد عبد الحميد بن باديس اليوم مركز إشعاع حضاري وروحي بامتياز في وهران، إذ يجمع بين العبادة والتعليم والثقافة، ويقدم خدمات اجتماعية للمجتمع المحلي مثل الإفتاء والإرشاد الأسري، كما يساهم معهد الإمامة التابع له في تكوين الأئمة ضمن نظام دراسي أكاديمي حديث يواكب تطورات التعليم الجامعي، وبذلك تحول هذا المعلم إلى رمز ديني وثقافي يعكس روح الجزائر المعاصرة.
المصدر: ويكيبيديا