يمثل بحر يوسف واحداً من أقدم وأهم المنشآت المائية في مصر القديمة، إذ يعد قناة طبيعية تحولت مع مرور الزمن إلى مشروع هندسي ضخم يربط مياه النيل ببحيرة قارون في واحة الفيوم، فقد كان في الأصل ممراً مائياً طبيعياً قبل أن يتدخل الملك أمنمحات الثالث في العام 2300 قبل الميلاد لتوسيعه وتعميقه، وذلك في إطار خطة دقيقة للسيطرة على فيضان النيل وتنظيم منسوبه أثناء مواسم الجفاف، إضافة إلى توسيع الرقعة الزراعية وري المناطق المحيطة.
جاء إنشاء هذا المجرى المائي ليؤكد وعي المصريين القدماء بأهمية إدارة المياه كعنصر أساسي في استقرار الحياة الزراعية، فقد كان التحكم في فيضان النيل يعني الحفاظ على التربة الخصبة وضمان استمرار الإنتاج الزراعي، وهو ما انعكس في قدرة واحة الفيوم على أن تكون واحدة من أهم المناطق الزراعية على مر التاريخ، حيث شكل بحر يوسف العمود الفقري لنظام ري متكامل ساعد على استقرار المجتمعات وازدهارها.
ارتبطت القناة بأهمية اقتصادية واجتماعية كبرى، فقد لعبت دوراً محورياً في تعزيز الأمن الغذائي للمصريين عبر العصور، كما أسهمت في توفير المياه اللازمة لزراعة مساحات واسعة من الأراضي التي باتت لاحقاً جزءاً من الإنتاج الزراعي الذي غذى مصر القديمة، وهو ما جعل بحر يوسف علامة بارزة على التفاعل بين الإنسان والبيئة، ونموذجاً مبكراً لإدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام.
أدرج الموقع ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت مسمى “واحة الفيوم، بقايا هيدروليكية ومشاهد حضارية قديمة”، وهو ما يعكس التقدير الدولي لأهمية هذا المشروع المائي الذي يجمع بين القيمة التاريخية والعلمية، كما يعكس أهمية الفيوم كمنطقة تجمع بين الطبيعة والإنجازات البشرية التي ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم، وتؤكد على عبقرية المصريين في التكيف مع بيئتهم.
يشكل بحر يوسف اليوم جزءاً من الذاكرة التاريخية لمصر، فهو لا يزال قائماً ويؤدي دوراً مائياً حيوياً في تغذية بحيرة قارون وري الأراضي الزراعية المحيطة بها، كما يمثل مادة غنية للباحثين والمهتمين بدراسة نظم الري القديمة وأساليب التحكم في المياه، إذ يفتح المجال لفهم أوسع للإنجازات الهندسية التي سبقت عصرها بقرون طويلة.
تظل قناة بحر يوسف رمزاً للتواصل بين الماضي والحاضر، فهي تعكس قدرة المصريين القدماء على ابتكار حلول عملية للتحديات الطبيعية، كما تبرز قيمتها ضمن الجهود الدولية لحماية التراث المائي والإنساني، لتبقى شاهداً على أن إدارة الموارد كانت ولا تزال أساساً لاستمرارية الحضارات.
المصدر: اليوم السابع