يتربع باب البحر في قلب مدينة تونس القديمة كواحد من أبرز رموزها التاريخية، فقد شُيد أول مرة في القرن العاشر بأمر الأغالبة ثم أعيد بناؤه عام 1860 ليأخذ شكله الحالي، وظل منذ ذلك الوقت شاهداً على عصور متعددة من تاريخ العاصمة، وواجهة عمرانية تعكس عظمة العمارة الإسلامية التي ميّزت تلك المرحلة.
اندرج الباب ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979 باعتباره جزءاً من مدينة تونس القديمة، وهو ما عزز مكانته كأثر إنساني يستحق الحماية، وقد عُرف سابقاً باسم باب فرنسا نظراً لارتباطه بفترات من التاريخ الاستعماري، إلا أن اسمه الأصلي بقي الأوثق بذاكرة سكان المدينة وزوارها.
تميز الباب بتصميم معماري متقن يعكس الطراز الأغلبي، حيث يزدان بأقواس متناسقة وزخارف دقيقة تبرز براعة الحرفيين الذين عملوا على تشييده، كما يمثل نموذجاً واضحاً للعمارة الدفاعية التي جمعت بين الجمال والوظيفة، إذ كان في الماضي مدخلاً رئيسياً يحمي المدينة ويربطها بمحيطها.
لعب باب البحر دوراً حيوياً في الحياة التجارية لمدينة تونس، فقد كان صلة وصل بين المدينة العتيقة والمناطق الساحلية، وشكل منفذاً لمرور القوافل والبضائع القادمة من البحر، وهو ما جعله شاهداً على التبادل التجاري والثقافي الذي أسهم في ازدهار المدينة عبر العصور.
ما زال الباب يحتفظ بقيمته المعنوية والثقافية رغم مرور القرون، حيث يخضع لصيانة دورية للحفاظ على متانته وتفاصيله الزخرفية، وهو ما يضمن بقاءه ماثلاً كرمز متجدد للهوية التونسية، كما يعكس في الوقت ذاته الجهود المبذولة لحماية التراث العمراني من عوامل التعرية والزمن.
يجذب باب البحر أعداداً كبيرة من السياح والمهتمين بالتاريخ، إذ يقدم لهم فرصة للتعرف على المدينة القديمة واستكشاف تفاصيلها العمرانية، كما يمنحهم تجربة غنية تربط بين الماضي والحاضر، ويؤكد على مكانة تونس كوجهة تراثية وسياحية تجمع بين العمق التاريخي والحيوية المعاصرة.
يقع الباب في قلب المدينة النابض بالحياة، حيث تحيط به الأسواق التقليدية والأزقة المزدحمة التي تعكس روح المدينة القديمة، ويمنح موقعه الاستراتيجي إطلالات فريدة تجمع بين الطابع التاريخي والمشهد الحضري الحديث، ما يجعله نقطة جذب لعشاق التصوير والفنون.
يمثل باب البحر نموذجاً للتفاعل بين الحضارات، فقد شهد مرور ثقافات متعددة تركت بصماتها على ملامحه، وهو ما يمنحه قيمة رمزية تتجاوز حدود تونس، ويجعله شاهداً على الإبداع البشري الذي جمع بين العمارة الإسلامية والتأثيرات المتوسطية.
تشكل زيارة باب البحر رحلة فريدة في الزمن، حيث يتيح للزوار استكشاف نقوشه الفنية المعقدة والوقوف على تفاصيل التنظيم الحضري للأغالبة، كما يبرز دوره كجسر يربط بين تاريخ تونس العريق وحاضرها المزدهر، ويؤكد على أهمية حماية هذا المعلم للأجيال المقبلة.
المصدر: اليونسكو